للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"حاشية أظن سادتنا المشار إليهم ما سمعوا النصيحة فراح كلامي معهم في الريح" "تنبيه قد أطلت الكلام في هذا الفصل المؤذن بالفراق ليقابل فصل الزواج".

[مقامة مقيمة]

حدس الهارس بن هثام قال سوّل لي الخناس، "أعوذ بالله من هذا الافتتاح" الذي يوسوس في صدور الناس كل غميس وغماس. إن تزوجت امرأة خرّابة ولاجة هيّاجة نبّاحة مِرغامة معذامة. لوّامة رطّامة. خُبَعة طُلَعة. خليعة جلِعة. تجاوب ولا سؤال وتبارز ولا قتال وتقترح علي أشياء يعجز عنها الدينار وترميني في مهالك دونها النار فكأن دأبي إن أصبر مرة عليها عذيراً وأخرى أن أشكو إليها فلا تزداد الأشرة ونفوراً. أو لا ينجع العتب فيها نقيراً. فقلت تالله لأجْفرنّ عنها واوهم إن بي جفورا أو لأضربن في الأرض لا علم هل أرى لها نظيراً. فاخترت الرأي الثاني. بعد التعوذ بالمثاني. وخرجت من بيتي كئيباً مبتئساً، ساخطاً على جميع النساء. فبينا إنا في بعض الطريق، إذ مر بي سرب منهن يخطر بالثوب الصفيق، والحلي ذي البريق. وقد أرجت الأرجاء بطيبهن العتيق فرأيت من بينهن الهيفاء والبدين. والغرَّاء الزهراء ضرة حور العين، ومهندة العينين. فتاقت نفسي إلى وصالهن. وتبلبل بالي بجمالهن. ونسيت ما لقيت من لكاعي في البيت. وقلت ليتكنّ لي لو تنفع ليت. ثم أنشدت:

أرى للنساء الماشيات حلاوة ... فهل هن حلوات كذا في المقاصير

ولست أرى في إِلْقتي إن مشت وإن ... أقامت سوى مقت وكره وتمرير

أراها بعيني حيث كانت بعينها ... فهل ذو عمى غيري يراها من الحور

فابتدرت إليّ واحدة منهن لها عنق كعنق الغزال، وحاجب كالهلال.

وقالت خفف عنك فما أنت وحدك في الرجال. إن زوجي قد قال.

أفكّر في لئامة طبع زوجي ... فأكره كل أنثى في النساء

واحسب إنهن مغايرات ... لها فأحّبهن على السواء

ثم التفت إليّ أخرى وجبينها يلمع كالصباح، ولحظها يدمي كالصفاح.

وقالت اسمع ما قاله زوجي فيّ. ولاتك من قارفيّ:

تخوض زوجي في كل الفنون وما ... تخشى خطاء ولا ردذا مع الظرفا

تكون غالطة في كل مسألة ... وليس تغلط يوما أن تقول كفى

ثم تقدمت إليَّ أخرى وحبب عرقها كاللآلي. وحالك فرعها كالليالي. وقال دونك ما نظمه فيّ بعلي. وانظر هل يصدق ذلك في مثلي.

تودّ زوجي شططا أنني ... عبد مخيليق لمرضاتها

وإن تشهت حاجة لم تُنَل ... أكون خلاّقا لحاجاتها

ثم دنت مني أخرى وهي تهتز عُجباً ودلالا. وتبسم عن شنب ما رأى الناظر له مثالا. وقالت هاك ما أنشدنيه كفيحي من أول ليلة. آذن منها بالبثور والويلة.

لزوجي خلقة أضعاف مالي ... من الشفتين والفم واللهاةِ

فكيف يُتاح لي إشباعها وهي ... تصرخ كل وقت هات هات

فأما أن تضعَّف لي أداة ... وإلاّ فارتكاب الترهات

ثم أقبلت عليّ الخامسة. وهي من الخفر كالظبية المكانة. وقالت أنشدك ما قال في شيخي في الليلة السادسة. وهو

إن قال غيري قد يقال زوجة ... فإنني أقول زوجي دون ها

إذ لا أرى التأنيث في أخلاقها ... بل الفحول في العراك دونها

ثم تقدمت السادسة، باشة آنسة. وقالت اروِ هذين البيتين، عن حليلي الذي اعتاد قول المين. وهما

تراقبني زوجي عليلا وسالما ... نهاراً وليلاً نائيا وقريبا

فصرت إذا عانقت في النوم طيف ... من أحبّ أراها بالوصيد رقيبا

ثم دلفت السابعة وكانت ذات حقيبة سابغة وطلعة رائعة. وقالت وفي معناهما قال زوجي المفتري. واجترأ عليّ بما لم يكن رجل على امرأته يجترئ. وذلك قوله:

تغار زوجي عليّ حتى ... إذا رأتني مرضت تمرض

فما رأتني في حالة ما ... إلاّ وكانت لها تَعَرَّض

ثم انبرت الثامنة وهي على ما ظهر لي رافنة زافنة. وقالت قد سمعت زوجي بهذين البيتين، بعد أسبوعين. وهو مطرق إلى الأرض كمن فقد العين. وبُثّر بالحين. وهما:

تودّ زوجي أن لي ... شانين من مفاضحا

هَن حمارٍ قازحاً ... وقرن ثور ناطحا

ثم استقبلتني التاسعة وهي تفتر عن لآلئ ناصعة. وقالت ونحوهما ما قاله في أبو ولدي. وقد حفظه كثيراً في بلدي وفي غير بلدي.

إن زارني عالم أو جاهل بدرت ... زوجي إليه وخاضت معه في الجَدَل

<<  <   >  >>