للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عادة أمثالي من المؤلفين أن يقهقروا أحياناً ويطفروا فوق مدة من الزمان يلفقوا واقعة جرت قبلها بأخرى بعدها. وذلك يسمى عندهم التورية أي جعل الشيء وراء. وانهم أيضاً يبتدئون بذكر صفات الشخص الذي بنوا عليه مؤلفهم منذ ابتدائه مناغاة محبوبته إلى وقت خفوته في الزواج. ويذكرون خلال ذلك أموراً طويلة مملة وذلك كصفوة وجهه عند لقائها وتغير حركات نبضه وبهره وعيَّه عن الجواب وبعثه إليها عجوزاً وكتاباً واجتماعه بها في مكان كذا وزمان كذا. وكتخيفها ألواناً عند قوله لها الفراش، الضم، العناق، الساق على الساق، الرضب، الملاسنة، البعال وما أشبه ذلك وربما أساءوا الأدب أيضاً في حق الأب والأم. فأنهم كثيراً ما يصرحون بأن الأم ترضى بأن تكون ابنتها فتنة لناظريها. وتتساهل معها في تنهيد زمرة من الرجال لتقاسمها منهم شطراً. وأن الأب من حيث أن حجره في حجر امرأته لا في رأسه لا يمكنه منع تلك الأسباب. وأن الخدمة لا يكونون إلاّ ذوي حَذْل مع المرأة على الرجل. فالخوادم للإقتداء بسيرة سيدتهن والخادمون للطمع فيها. وفي الجملة فأنهم يجعلون بيت البنت المعشوقة دسكره وماخوراً وحابوراً ومنبتاً لجميع أنواع الفساد والحيل والمكائد وكل من أخواني هؤلاء المؤلفين يخترع حيلة من رأسه ويعزوها إلى غيره. أما الطفرة إلى وراء فعندي أنه لا بأس بها إذا كان المؤلف رأى مذهب التأليف قد سدّ أمامه ثم يعود إلى ما كان عليه. وأما تبليغ الرجل إلى سرير عروسه ثم أطباق الكتاب عليهما من دون ملاوصة لمعرفة أحوالهما بعد ذلك فلست أرضى به. إذ لا بدّ لي من أن أعرف ما جرى عليهما بعد الزواج. فأن كثيراً من النساء اللائي يحسَبْن إناثاً قبل تولي هذه الرتبة الشريفة يصرن بعدها رجالاً كما أن الرجال تصير نساء.

من أجل ذلك رأيت أن أتتبع الفارياق بعد زواجه أكثر من تتّبعي إياه قبله. إذ الكلام على أثنين أدعى إلى العجب منه على واحد. فأما الإسفاف للأمور الخسيسة والدعلقة والدنوق من شأني. فأذن لي إذاً يا سيدي ورخصي لي يا سيدي في أن أستعمل الطفرة وأقول.

<<  <   >  >>