للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ها هو الفارياق جالسا على كرسي وأمامه مائدة عليها كتب كثيرة ليسبينها صفحة من الطعام، وبين أصابعه قلم طويل وبين أصابعه قلم طويل وبين يديه دواة فيها حبر كالزفت. وقد شرع في تفسير أحلام رآها رئيس المعبر في منامه. الحلم الأول رأى الهالج المشار إليه إنه سافر إلى بلاد الهند فوجد فرسا في الطريق طاعنة في السن ولا سرج عليها. فلما رأته الفرس دنت منه ووقفت وهي تحمحم فجاوزها بعض خطي وإذا بها جرت وراءه فلما أدركته وقفت أيضاً فقال إن لهذه الفرس شأناً. أنى أريد أن أمسك بناصيتها لأنظر ماذا يكون من أمرها. فلما مسّها تطأطأت له كالمشيرة إليه أن اركب ولا تخف لعدم السرج. فركبها حيث كان قد أعيا من المشي وسار غير بعيد. وإذا هو بدكان سروجي فنزل عنها واشترى لها سرجا ثم ركب وسار في مضيق حرج فيه أشجار كثيرة. فنشب في رأسه بعض أغصان الشجر ومنعه من السير. فحاول أن يتقدم فلم يمكن له وأشفق أن يهمز الفرس للإقدام فوقف يتفكر فيما عرض له وهو متعجب جدّاً. واتفق انه مدّ يده وقتئذ ليحك رأسه فإذا به قد نبت له ستة قرون، اثنان من أمام على كل صدغ واحد واثنان من خلف واثنان في الوسط، وكان ذلك الغصن مشتبكا بها كلها. فتوصَّل إلى أن قطع الغصن من الشجرة لكنه بقي ناشبا في القرون. ثم سار وهو على هذه الحالة فكان كل من رآه يتعجب منه ويقول انظروا هذه القرون الستة في رأس هذا الرجل، وهو غير مكترث بهم، حتى إذا دخل في مأزق مظلم تشرف عليه صخور وجنادل صدم بعض الصخور أربعة من القرون. فانكسرت وسقطت وبقي له قرنان من أمام فقط، ولكن كان أحدهما يميل إلى الثاني ويماسه ثم صارا يتحاكان ويصطكان وكلما اصطكا سمع لهما صوت عظيم، فأقبلت الناس من بعيد تنظر إليه وتتفرج عليه. فلما ضاق بهم ذرعا ورأى كثرة الزحام مانعة له من السير عزم على الرجوع، فأبت عليه الفرس ذلك وصارت تثب وتطفر قدما وكلما ركلها برجله ازدادت وثبا وتقدما. فنظر إليها كالمتعجب منها فإذا بلونها قد تغير عن اصله. فقال في نفسه لعل هذه الفرس غير الدابة التي ركبتها أولا، فنزل عنها ليكشف عن سنها. فلما أراد أن يضع يده في حنكها رفسته وكدمته كدمة شديدة غشى عليه منها. قال فكانّ الفرس حين أبصرته مجندلا مصروعا رقت له فجعلت تنفخ في منخريه وتلحس مواضع القرون المكسورة منه حتى أفاق قليلاً. فطفق يئن ويجأر بالدعاء إلى الله لان ينجيه مما ألمّ به. فأشارت إليه الفرس برأسها أن اركب لنرجع من الطريق التي أتينا منها. فقام متجلداً وركب فلما وصل إلى ذلك الموضع الحرج نبتت فيه تلك القرون المكسورة وعادت كما كانت فكان يلمس عليها وهو سائر. فلما أمسى عليه المساء نزل في خان ليبيت فيه ليلته تلك. وأمر صاحب الخان بان يُعنى بدابته ويحضر له ولها عشاء. ولما انتبه صباحا وجد السرج قد سرق. فقال لصاحب الخان قد فقدت عندك سرج فرسي وما يتأتى لي أن أركبها بدونه. قال بل أنت مبطل فيما تدعيه فإنك حين قدمت كنت معرورياً لها. فلجّ بينهما الخصام وتماسكا بالجيوب. فلما علم انه لا ينتفع بشيء رضي من الغنيمة بالإياب. وقام إلى الفرس وركبها وبقي سائراً إلى المساء فوجد خانا آخر في الطريق فبات فيه. فلما اصبح الصباح وأراد أن يركب لم يجد اللجام. فجرى له مع صاحب الخان هذا ما جرى له مع ذلك ثم بات الليلة الثالثة في محل آخر وعند الصباح وجد فرسه بلا ذنب. وبقي كلما بات ليلة فقد عضوا من أعضاء الفرس حتى بلغ مدينته ساعيا على القدم وغابت عنه الفرس بالكلية. فأما القرون فزال منها أربعة بزوال الفرس وبقي منها الاثنان المتقدمان.

<<  <   >  >>