للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالت أما أنت قريرة العين هنا وقد تمتّعت بالحرّية في الخروج وحدك. وفي رؤية الناس وفي رؤيتهم لك بما لم تعديه من قبل في دولة البرقع والحبرة. قالت إنما ينغصني كوني لا أستطيع أن أبلغ أهل مصر أي النصارى منهم قبطيهم وشاميهم ما يراد من الزواج مما لم يعرفوه بعد فإنهم يحسبون أن الله تعالى إنما خلق المرأة لمرضاه الرجل في فراشه وخدمته بيته فترى طلعة الرجل منهم إذا جاء منزله وواجه امرأته كطلعته حين غاب عنها سواء. وإنه ليقعد بعيداً عنها قعدة المستريب المتفكّن. وإذا نظر إليها فما ينظر إلا إلى شعرها ليرى به شعث أو لا. ثم هو لا يصلحه لها أمام الناس إذا شعثته الريح وغيرها. ولا يلبسها ولا يأخذ بذراعها إذا تماشيا بل قلما يمشي معها إلا إذا سارت لتنظر أهلها غيرة عليها من أن يكلمها أحد في الطريق أو يراها فترجع حبلى من النظر بفذّ ومن الكلام بتوأمين. فإذا حضر الطعام تعشى وهو ساكت وجم كأنما يأكل شيئاً مسموماً. وربما كلفها غسل رجليه قبل النوم أو تكبيسهما حتى يجيئه النعاس. وفي خلال ذلك يرمش ويرضك ويتثاءب ويتمطى. ثم يرقد دون عفز ولا حفز. وكلما كان عيد لأحد مناجيف الرهبان تابل عنها ويلزمها أن تقول له بحضرة الناس نعم يا سيدي. وأحسنت يا سيدي. وربما كان ذلك السيد سيداً عملَّساً. أو كان من أكبر الحمقى وكانت هي رشيدة لبيبة فلا يسعها إلاّ أن تتبعّل له. ولا يمكنها إذا رأت منه غواية أن ترده إلى طريق الصواب. فقد تقرر في عقول النَّوكي المآفيك أن عصيانهن طاعة لله. حتى إذا وقع منكوساً على أم رأسه رجع إلى امرأته باللوم والتبكيت. قال قلت قد روى عن النخعي إنه قال من أشرا الساعة طاعة النساء. فقالت كأني بالإفرنج قد حشروا أو يحشرون الليلة. ثم استمرت تقول وأقبح من هذا كله أن الرجل عندنا إذا كان كهلاً لا يستحي أن يتزوج ببنت لم يأت عليها بعدُ نصف عمره. فإذا استقرت عنده شرع في تربيتها وتنبيتها وتوليدها من ذي أُنُف وعاملها بالنفاق والدهان. فقد يكون خبيثاً فاجراً ويوهمها إنه ذو صلاح وتقوى يتّورع من اللهو والسماع وعشرة الفتيان الكيّسين. وما يخطر بباله أن مغايرة السنّ بين الرجل وامرأته هي أعظم الأسباب الباعثة لها على فركه. بل يعتقد أن مجرد كونه فاعلاً وكونها مفعولاً يقضي له بالمزية والفضل عليها. فقلت ان دعوى الفاعلية ما أراها إلاّ باطلاً. فإن المفاقمة والمباضعة وأخواتها تدّل على إن الفعل مشترك بين أثنين. وإنما الأفضلية باعتبار البادئ. قالت ليس الابتداء متعيناً على واحد دون الآخر فأيهما بدأ صحَّ. فلا مزية لأحدهما على صاحبه. هذا وكم من مرة لمجرد هذا الوهم يغادر الرجل امرأته وحدها في البيت ويقضي ليلته عند أحد أصحابه. فيتعاطى معه المدام حتى يسكر ويذهب ما عنده من قليل العقل. فلا يقدر على الرجوع إلاّ إذا حمل بين أثنين كالجنازة. ثم هو لا يفرق بين أن تكون زوجته حبلى أو غير حبلى. فتراه يكلمها وهي في تلك الحالة بعين الكلام الذي كان يكلمها بهمن قبل. وربما دمق عليها كالضاغب فمناها بمرعبة. أو اسمعها الضَّبَعْطَي والضَّبَغْطَي والضَبَغْطَرَى وأية ودُخْدُخ وهَجاجَيْك وهذاذيك. أو كان عليها دَبُوقاء أو لزاقاً وطبَاقاء أو عَباقاء أو عَياباً أو عَباماء.

<<  <   >  >>