وهنا ينبغي أن أقف على قدمي منتصباً وأستميح الإجازة من ذوي الأمر والنهي لأن أقول. إنه قد جرت عادة جميع الولاة والملوك ماعدا ملك الإنكليز بان لا يدعوا أحداً يدخل بلادهم أو يخرج منها ما لم يدفع لدواوينهم أو لوكلائهم المعروفين قدراً من الدراهم بحسب خصب مما لكم. محلها. وذلك بدعوى أن المسافر إذا نزل بلادهم ساعة أو ساعتين فلابد وأن يرى قصورهم الفسيحة وعساكرهم المنصورة أو خيلهم النجية ومراكبهم الفاخرة. فيكون كمن يدخل ملهى من الملاهي. إذ ليس يدخلها أحد من دون من الملاهي. إذ ليس يدخلها أحد من دون غرامة. فإن اعتراض أحد بقوله إِنا في الملهى نسمع أصوات المغنين والمغنيات وآلات الطرب. ونرى الأنوار المزدهرة والأشكال المتنوعة ووجوه الحسان الناضرة وحركاتهن الباهرة. ونضحك حين يضحكن. ونطرب حين يرقصن. ونشغف حباً حين يغازلن فأما في رؤية إحدى مدنكم فإنا لا نرى شيئاً من ذلك. بل إنما ندخل لكي يغبننا تجاركم فتكون فائدتنا في الدخل قليلة. قالوا قد يتفق وقت قدومكم بلادنا أن تكون عساكرنا قد شرعت في العزف بآلات الطرب فهذا مقابلة في الطرب في الملهى. أما النساء فإنا نأذن لكم في التمتع بكل من أعجبتكم فاجروا وراء من شئتم بحيث يكون النقد على الحافز. ومع ذلك فلا ينبغي أن تشبه مدائننا التي تشرفت بحضرتنا ببعض الملاهي. ولاسيما أن هذه سنة قديمة قد مشت عليها أسلافنا طاب ثراهم. وتقادمت عليها السنون والأحوال حتى لم يعد ممكناً تغييرها. فإن الملك إذا أمر بشيء صار ذلك سنة وحكما ويشهد لذلك قول صاحب الزبور أن يد الرب على قلب الملك. بمعنى أن الملك لا يفكر في شيء إلا ويد الله عاصمة له فيه. هكذا شرح هذه الآية العلماء الربانيون في بلادنا ومن خالفهم فجزاؤه الصلب. وبعد فإن الملك إذا أخذ في تغيير العادات وتبديل السنن فربما أفضى ذلك إلى تغييره. فيكون مثله كالديك الذي يبحث في الأرض عن حبة قمح فيثير التراب على رأسه. وصغر ذلك تشبيها. فالأولى إذا إقرارا كل شيء في محله. ثم لا فرق بين أن يكون قاصد بلادنا غنياً أو فقيراً. صالحاً باراً أو لصاً فاجراً رجلاً كان أو امرأة. فكلهم ملتزمون بأداء الغرامة وتحمل الغبن -ولكن يا سيدي ومولاي أنا امرأة معسرة قد اضطررت إلى المرور بمدينتك السعيدة. لأن زوجي المسكين كان قد قدم إلى بلادكم الملكية ليدير مصلحة فقضى عليه الله تعالى بالوفاة. فتركت صبية لي في البيت يتضورون جوعاً وجئت لأرى زوجي الميت حالة كونه لا يراني. ومع ذلك فإني أُعدّ من الحسان اللائي يحق لهن من أمثالك العناية والإلطاف. فكيف التزم بالغرامة فضلا عن نفقة السفر وفقد زويجي الذي كان لي سنداً- ارجعي من حيث جئت فما هذا وقت الاسترحام. لأن القواعد التي تقرر في دفاتر الملوك لا تقبل التبديل ولا التحريف ولا يستثنى منها شيء- وأنا أيضاً يا مولاي رُجَيْل فقير رماني الدهر بصروفه لأمر شاءه الله. فوافيت بلادكم طمعاً في تحصيل وظيفة تقوم بأودي. وما أنا من ذوي التغاوي والفتن ولا من الباحثين في سياسات الملوك وإيالاتهم. فقصارى منيتي تحصيل المعيشة. على إني أعرف شيئاً لا يعرفه أهل بلادكم العامرة فربما كان مقامي فيها مفيداً لدولتكم السعيدة. ولو صدر الأمر العالي بامتحاني واختباري فيما ادّعيه لأكرمتم مثواي فضلاً عن الرخصة لي في دخول بغير غرامة- يا طائف يا عسس يا زبينية يا جلواز يا شرطي يا عون يا ذبي يا مسحل يا فارع يا قليع يا تورور يا ثؤرور يا أثرو يا ترتور أودع هذا السجن. إن هو إِلا جاسوس قدم يتجسس- بلادنا. وفتشوه عسى أن تجدوا معه أوراقا تكشف لنا عن خبره- وأنا كذلك يا مولاي وسيدي غليتم مسيكين قد جئت لا نظر أبي إذ بلغني إنه كان قادماً من سفره فدخل بلادكم فأصابه هواؤها الحميد بمرض شديد منعه من الحركة. فلّما علمت أمّي بمرضه أيضاً مما شملها من الحزن والكرب لطول غيابه بعثتني إليه لعلي أخدمه وأمرّضه فيطيب خاطره برؤيتي ويخف ما به. فإن رؤية الأب أبنه حال مرضه تقوم له مقام الدواء- ما نحن بمربّي الأولاد ولا بلادنا مكتب لهم حتى يأتوا إليها ويخرجوا منها من دون غرامة. أذهب وكن رجلاً بأدائها على الفور- وأنا أيضاً يا عتادي وملاذي. وثمالي ومعاذي. وملجإِي وملتحدي. وسندي ومعتمدي. وركحي وركني. وعزي وأمني. رجل من الشعراء الأدباء كنت قد مدحت بعض