للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما نفع الوثير من الحثايا ... وليس عليه وثَرْ إذ تهش

وما نفع الشعار بلا شعار ... وحسن الحفش إن لم يلف حفش

وما نفع الحياة بغير حيّ ... فنعشك دونه ما عشت نعش

فسارا في سكة الحديد وبلغا المنزل ليلاً وما كاد الفارياق يدخل حجرته التي أعدت له حتى رقشها بهذين البيتين:

لله درب الحديد كم كفل ... ربا به والثديّ قد رجفت

لو لم يكن غير تلك فائدة ... لنا به دون أتوه لكفت

ثم لما قام في الغد رأى المنزل بعيداً عن الدار. فاستعاذ بالله واسترجع وأضبّ على ما نفسه. لأن الشكوى ليس لها هؤلاء القوم إذن واعية.

حتى إنه لما شكا يوماً طول غيبته عن زوجته قال له صاحبه بعد أيام قد فرط منك بالأمس كلام فقلت إني مشتاق إلى امرأتي. وكان الأولى أن تقول إلى أولادي. فقال له الفارياق ما المانع من أن يذكر الرجل امرأته كما يذكر ولده. ولولا المرأة لم يكن الولد بل لولا المرأة لم يكن شيء في الدنيا لا دين ولا غيره. قال مه مه قد أفحشت. قال أرغن لما أقول. لولا بنت فرعون لم ينج موسى من الغرق. ولولا موسى لم تكن التوراة. ولولا المرأة لم يمكن ليوشع أن يدخل أرض الموعد ويستولي عليها. ولولا المرأة ما حظي إبراهيم عند ملك مصر ونال منه الصلات والهدايا فتمهد لليهود النزل إلى مصر من بعده. ولولا المرأة لم ينج داود من يد شاول حين أضمر قتله وإن كان ذلك قد تمّ بحيلة وضع صنم في فراشه. ولولا داود لم يكن الزبور. نعم ولولا المرأة أعني زوجة نابال ما تقوى داود على أعدائه ولولا حيلة بت شبع على داود لم يملك سليمان ابنه ولم يبن هيكل الله بأورشليم. ولولا المرأة لو يولد سيدنا عيسى ولم يذع خبر انبعاثه. ولولا المرأة لم يستتبّ مذهب الإنكليز كما هو اليوم. هذا وأن المصوّرين عندكم يصوّرون الملائكة بصورة النساء. والشعراء عندكم ما زالوا يتغزلون في المرأة ولولاها لم ينبغ شاعر.

قال أن أراك إلا هائجاً على النساء وكان العرب كلهم على هذه الصفة. قال نعم أنا راموزهم وقطاطهم وكل من ينطق بالضاد يكلف بالضاد. فاطرق مليّا ثم قال لعلكم ارشد ممن عدل إلى اليم. فقد بلغني أن في بلادكم قوماً ميميّين يعدلون عن سواء السبيل إلى مضايق ذميمة وهو أقبح ما يكونوا أقبح من ذلك أن بعض المؤلفين من العرب قد ألفوا في ذلك كتباً وتمحّلوا لا يراد أدلة على تفضيل الحرفة الميمية. قال نعم ومن جملتها كتاب عثرت به في خزانة كتب كامبردج ورأيت مكتوباً عليه عنوانه بالإنكليزية كتاب في حقوق الزواج. فكأن شاريه لم يفهم مضمونه. ومن اسخف ما ورد من الأدلة على ذلك قول بعضهم:

أنا لست اجزم باللواط ولا الزنا ... لكن أقول مقال من قد حررا

إن اللذاذة كلها في أقذر ال ... جارين فأختر إن عرفت الأقذرا

وسبب تأليف هذه الكتب من مثل هؤلاء العتاولة إِما للعّنينية فإن النساء يعرضن عمّن يبتلى بذلك. أو للبخل لأن النفقة على المرأة أكثر. أو لقصر اليد عن هصرهن أو لفساد آخر. أما سليم الطبع فلا يميل عن هذا المذهب أصلاً.

ثم أن الفارياق لبث عند صاحبه مدة في خلالها آدب إلى مآدب فاخرة عند بعض الأعيان. ومن عادتهم في الولائم أن تقعد النساء على المائدة مكشوفات الأذرع والصدور بحيث يمكن للناظر أن يرى المفاهر واللبّان والبادلة والبَهْو. وإذا تطالل واشرأب وكان حسن الأهطاع رأى اللعَوْة أيضاً أي آية الحلم. وهي من جملة العادات التي تحمد من وجه وتذم من وجه آخر. حيث كان هذا الكشف مطّرداً للصبايا بل العجائز عند الإفرنج ولاسيما الإنكليز يكتشفن ويتفتّن ويتعيّلن أكثر الصبايا. ثم قلت الدعوات وكثر قلق الفارياق لأن من نظر إلى سحنته مرة لم يرد أن ينظر إليها مرة أخرى. فرأى الرجوع إلى كامبردج أوفق. فسافر إليها فوجد القبب قد رَبَت نحو ثلاثة قراريط. وذلك إِما لبعد عهده بها أو لكون زيادة قرصة البرد أوجبت ذلك.

<<  <   >  >>