للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا وقد اختصت نساء باريس بصفات لا يشاركنهن فيها أحد من نساء الإفرنج. فمن ذلك أنهن يتكلمن بالغنة والحنة والنشيج والهُزامج والترنجح والتطريب والسكت والحبرة والنبرة والأجشّ والتعثيث والرجيع والأضجاع والقُطْعة والتغريد والتهويد والمد والترسيل والترتيل والفصل والوصل والزجل والهلهلة والإدغام والترخيم والتدنيم والترنيم والروْم والإشباع والتفخيم والإمالة والتنعيم والتنغيم والتحزين والحنين والجدن والتلحين والطثن والشجو والترنية. حتى ينتشي السامع فلا يعلم بعد ذلك هل هن يفككن أزرارة أوفقاره. ومن ذلك تغيير الزي في كل برهة وبهن تقتدي سائر النساء فلو لبست إحداهن مثلاً عبْعبا أو حزقت ثوبها لعبّ الناس حب ذلك العبعب وصار التحزيق سنة فيهم. وعنهن يؤخذ أيضاً تقصيب الشعر وسَبْته وتسريحه وتسميده وتجميره وصفره وتطويره وتنفيشه وعفصه وتصفيفه وزرقلته وتشكيله وفرقه وكدْحه وكدهه وأدّراؤه وجدله وتفتيله وتغبيته ومشطه الكُعْكُبّة والمقدّمة واتخاذ قصة منه أو قزَّعة أو قنزعة وجعله مكرهفاً أو مسبلاً. ومن ذلك أنه لطول ترددهن على مواضع الرقص يحسبن كل مكان يطأنه مرقصاً. فترى المرأة منهن تمشي في الأسواق والشوارع وهي تميد وتميل وتتخلع وتتفكك. ويا ليت مولانا صاحب القاموس كان يعرف البُلْكي والمازركي والسوتشكي والكدريل والريدوقي والفلس وغيرها من ضروب الرقص حتى أوريها عنه هنا في حق الماشيات في باريس. ومن ذلك تحكمهن على الرجال وتعززهن عليهم في كل حال وبال. فترى الرجل يماشي المرأة وقلبه بين رجليها. وإذا خلا معها في البيت فهي الآمرة الناهية المستعلية القاضية. وهو المُصحِب المِصحاب المُدربح المُدلبح المُدمّح المكبوح المعنوج المصوّب المدبّخ المتزيّخ المختضَد المُسجد المعتسَر المشروس المتضع. ولا يزلن طول الدهر وحاماً ولا حَبَل. وبرمن أن يكون لهن كل شيء صهابيّا مؤربّا مرفّلا موفَّراً مؤَّفلاً مسبغاً ضافياً مرتبزاً وافياً تاماً كاملاً. حتى أن اللغة الفرنساوية مبنية على هذا الروحم. وذلك أنهم يحذقون في اللفظ أواخر جميع الألفاظ المذكورة وينطقون بها في المؤنثة. وعلى ذلك قول الفارياق.

عند الفرنسيس المؤنث واجب ... تبليغ آخره إلى الأسماع

وهو الدليل على تؤوق نسائهم ... طبعاً على التبليغ والإشباع

أو أنه صفة الكمال لهن أن ... يك ممكناً يوماً لذات قناع

وكان أحد التيتائيين من نحاتهم غاظه ذلك فجعل من بعض قواعد لغتهم تغليب المذكر على المؤنث. ولكن هيهات فإن امرأة واحدة هنا تقوى على عشرين ذكراً. ومن ذلك عنوان جمالهن مكتوب على جباههن نظماً ونثيراً. فمن النظم

مَلَكُ الجمال أعزّ من ملك له ... جند وأعوان وعرش أرفع

ذو المُلك تتبعه الجنود تكلفاً ... ولذي الجمال الناس طوعاً تتبع

ومنه

من حارب العين خانته مضاربه ... وليس يجديه شحذ السيف عن جلده

فمضرب السيف مشحوذ على حجر ... ومضرب الطرف مشحوذ على كبده

ومن النثر. الكلام بالغنّة، شفاء من العُنة. فرط التنهيد أبلغ في التهنيد. الخَدَل جلاء المقل. ضخم الحماة يفتح اللهاة. صغر الأقدام يقزح الأدام. كم صريع في السوق من كشف السوق. أن إبراز الترائب كاشف غمّ النوائب أن العَبعَب أملأ للعين واحب. أن الأعجان داعي الافتتان. أن النّوَق أصل الشَنَق. لا تفكن إلا ويزيله التبهكن. التهييم أدعى للتهييم والتتيّم المغاضنة دليل المحاضنة. غلائل الصيف أمضى من السيف. لا فرار بعدَّ الافترار. لا عاصم بعد كشف المعاصم. توهج الطيب. أشوق للحبيب. رب ابتسامة جلبت غرامة. العين غزالة. والقامة فتالة. الحسن معبود. والدينار منقود. الدينار فكلك الأزرار. من أكثر من الصلة نال ما أمله البضع لذي الدنيا والدنيا لذي البضع. من ذاق عرف ومن غازل هرف. إلى الملهى إلى الملهى. فبادر ثم لا تله. وعللها بكاس ثم عما شئت فاسألها.

<<  <   >  >>