فنقول إن هذه القوة هي القوة التي بها نزع الحيوان إلى الملائم وينفر عن المؤذي، وذلك من أمرها بين بنفسه، وهذا النزوع أن كان إلى الملذ سمي شوقاً، وإن كان إلى الانتقام سمي غضباً، وإن كان عن رؤية سمي اختياراً وإرادة. فأما أن هذه القوة يتقوم وجودها في الحيوان المتخيل التخيل، وحينئذ يكون النزوع. فذلك مما لا يشك فيه. فأما هل توجد هذه القوة عن الحس مفرداً دون التخيل، وذلك في الحيوان الذي يظن به أنه غير متخيل ففيه موضع نظر، وذلك أنه قد يظن بالحيوان غير المتخيل أنه إنما يتحرك عن الحس فقط،. كان لا يكفي متحركاً إلا بحضور المحسوس، لكن متى سلمنا هذا أعني أن بعض الحيوان لا يتحرك إلا بحضور المحسوس لم يلزم على ذلك أنه تلقي حركة من غير تخيل، لأن الحيوان إنما يتحرك إلا بحضور المحسوس نتخيل معنى فيه هو محسوس بالقوة ليحصل محسوساً بالفعل. ولو كانت حركته من المحسوس مشابهة ما هو محسوس بالفعل لكانت حركته، عبثاً وباطلاً. وإذا كان ذلك كذلك فلا يخلو الحيوان أن تكون حركته نحو ذلك المعنى الموجود بالقوة من جهة ما هو متخيل له، فتكون حركته حيوانية أو تكون حركته نحو ذلك المعنى لا من جهة ما هو متخيل له، فتكون حركته طبيعية لا حيوانية، وهذا ممتنع فباضطرار أن يكون القسم الأخير، أعني أنه إنما يتحرك عن تخيل ما لكنه تخيل غير محصل لا يفارق المحسوس، ومن هنا يظهر أنه ليس يمكن أن تلفي حيوان متحرك عادم للتخيل أصلاً.
وإذا كان ذلك كذلك وتبين أن هذه القوة إنما تلفي أبداً مع التخيل أو النطق، وكان قد تبين من أمر هاتين القوتين أنهما متقدمتان عليها بالطبع، وكان أيضاً من الظاهر. بنفسه أن قوة التخيل ليست نسبتها إلى هذه القوة نسبة الموضوع، إذ كان التخيل إدراكاً والنزوع شيء يتبع الإدراك كما يتبع القطع الحدة، وأحرى بذلك القوة الناطقة، فمن البين أنها تابعة لهما على جهة ما يتبع اللواحق ملحوقاتها، والموضوع ضرورة لهذه القوة هو الحار الغريزي، ويشهد لذلك ما يعتري عند النزوع من الانفعالات الجسمية كحمرة الغضبان وصفرة الوجل، والكون بهذه القوة تابعة لأكثر من قوة واحدة من قوى النفس، نرى أنها متكثرة بتكثر القوى التي هي تابعة لها، وكان النزوع يقال على جميعها بضرب من التوسط بين المشتركة أسماؤها والمتواطئة وهي المشككة، وبخاصة إذا تأملنا ما يدل عليه قولنا نزوع في الحيوان ونزوع في المطلوبات النظرية.
وأما المتشوقات الصناعية فقال بنوع متوسط بين هذين، ولكون هذا الاختلاف الذي بين هذه الأنحاء من النزوع قد يوجد الإنسان متحركاً بها حركات متضادة، فإن النزوع الفكري كثيراً ما يضاد النزوع الحيواني، وذلك بين ما نجده فينا.
وإذ قد تبين من أمر هذه القوة كيف نسبتها إلى قوة التخيل، وبين مع هذا على أي جهة تلفي فيها الكثرة. فقد ينبغي أن نقول على أي جهة توجد عنها الحركة للحيوان، وبكم شيء تلتئم هذه الحركة المكانية.
فنقول إن كل متحرك كما تبين في الأقاويل العامة فله محرك والمحرك منه أول، وهو الذي لا يتحرك أصلاً عندما يحرك ومنه ما يحرك بأن يتحرك، وذلك في جميع الحركات التي تلتئم من أكثر من محرك واحد، وهو من البين أن هذه الحركة التي للحيوان في المكان من الحركات التي تلتئم من أكثر محرك واحد، وأن فيها هذين الجنسين من المحركات، أعني المحرك الذي لا يتحرك أصلاً إلا بالعرض والمحرك الذي يتحرك، وإن المحركين لهذه الحركة التي بها يلتئم وجودها منها أجسام، ومنها قوى نفسانية.
إما الأجسام التي منها تلتئم هذه الحركة فستفحص عنه في كتاب حركات الحيوان المكانية.
وأما القوى فلنفحص عنها في هذا الموضع، وهو من الظاهر أن هذه الحركة إنما توجد للحيوان عن قوتين من قوى النفس، وهي القوى المتخيلة، والقوة النزوعية.