فإذن إنما يتفق الأبصار بهذين الأسطقسين وبالضوء. لكن أما الجهة التي بها تخدم هذان الأسطقسان هذه القوة فقد تبينت وأما على أية جهة يفعل ذلك الضوء فقد ينبغي أن نبين ذلك بعد أن نلخص أولاً كم هي الأجسام المضيئة وما الضوء والمستضيئ.
فنقول أما الأجسام المضيئة بالتقديم فنوعان: الجسم الإلهي والنار، إلا أن ذلك بالذات للجسم الإلهي وبالعرض للنار ولذلك لم تكن مضيئة في مكانها. وقد يقال المضيء أيضاً بتأخير على كل ما من شأنه أن يقبل الضوء من غيره ثم يضيء هو في نفسه. وأحرى ما قبل له مضيء من هذا ما كان بحيث يجعل غيره مرئياً ولم تكن صورة بانعكاس، كالحال في القمر. وأما التي تضيء في نفسها فقط وليست تجعل غير مرئية فكثير من الأصداف التي تضيء بالليل والماء الذي يظهر على المجاذيف.
وليس ما قبل في هذه الأشياء أنها تضيء. من قبل أن لها طبيعة نارية بشيء كما حكى ذلك ثامسطيوس عن المعلم الاسكندر، لأن المضيِء إنما يوجد في الممتزج من جهة ما هو لون ولذلك ليست هذه ألواناً إلا باشتراك الاسم، وسنبين أكثر في كتاب الحس والمحسوس.
وأيضاً فقد يظهر من أمر هذه أنها بخلاف الألوان، إذ كانت إنما تبصره في الظلمة والألوان في الضوء فقط، حتى قيل أن خاصة اللون أن يحرك للمشف بالفعل والأولى بهذه أن يظن أنها تضيء من جهة أنها تقبل الانعكاس لأنها في طبيعة المرئي، وأن كان ليس يمكن أن تضيء غيرها، وعلى هذه الجهة ترى عيون كثيرة من الحيوان تضيء في الظلام، أو نقول أنه يتحلل عنها في الظلام بخار شأنه أن يعرض عنه مثل هذه الرؤية.
والفحص عن هذا ليس بلائق بهذا الموضع، فإن استقصاء القول في هذه الأشياء هو في كتاب الحس والمحسوس.
وأما الضوء فإنه لما كان غير جسم أصلاً بدليل انه مشع بكلية في كلية الأجسام المشفة ويحدث في غير زمان، ولم يمكن فيما هذا شأنه أن يفارق لم يكن الضوء شيئاً غير كمال المشف بما هو مشف. والمستضيئ هو الذي يقبل الضوء، والضوء إنما يفعل الإضاءة في المستضيئ إذا كان منه ذا وضع محدود وقدر محدود.
وهذا بين أن الإضاءة من الكمالات التي ليست منقسمة بانقسام الجسم، ولا حاصلة في زمان، لكن إذا كان هذا كله هكذا فعلى أي جهة ليت شعري يكون للضوء مدخل في تتميم هذا الإدراك.
وذلك يمكن أن يتصور على أحد وجهين: إما أن يكون الضوء هو الذي يعطي الجسم المتوسط الاستعداد الذي به يمكن أن يقبل الألوان فقط حتى تؤديها إلى الحاسة وهو الإشفاف بالفعل حتى يكون اللون إنما يحرك المشف من جهة ما هو مشف بالفعل، وتكون الألوان على هذا موجودة بالفعل في الظلام.
وبالقوة محركة للإبصار على جهة ما نقول في العالم إنه معلم بالقوة إذا لم يكن له متعلم أو تكون الألوان موجودة في الظلام بالقوة الحقيقية، حتى يكون الضوء هو المحرك لها من القوة إلى الفعل. فنقول إنه قد تبين في كتاب الحس والمحسوس أن اللون هو اختلاط الجسم المشف بالفعل، وهو النار مع الجسم الذي لا يمكن فيه أن يستشف وهو الأرض.
وإذا كان كذلك فاللون ضوء ما وهو يستكمل ضرورة على نحو ما بالضوء الذي من خارج وتقوى.
وقد يظهر ذلك من أنا متى نظرنا إلى الألوان الواحدة بعينها في الظل والشمس وعند مرور السحاب عليها وانكشافها رأيناها بألوان مختلفة في الزيادة والنقصان، وذلك مما يدل على أنها تستكمل بالضوء الذي من خارج استكمالاً ما، ولذلك ما قبل أن الضوء هو الفاعل للإبصار.
فقد تبين من هذا القول ما هي هذه القوة وبأي شيء تدرك وكيف تدرك.
وأما القول في مدركها وهي الألوان فأليق المواضع بذلك كتاب الحس والمحسوس٠
[القول في السمع]
وهذه القوة هي الِقوة التي شأنها أن تستكمل معاني الآثار الحادثة في الهواء من مقارعة الأجسام بعضها بعضاً المسماة أصواتاً، وهذا كله بين مما تقدم. فإما بأي شيء يكون هذا الإدراك وعما يكون والنحو الذي به يكون فنحن نقول فيه.