ويرى الإسكندر أن الذي يعنيه أرسطو بالعقل المستفاد هو العقل الفاعل من جهة ما يوجد له هذا الاتصال بناء، ولذلك ما سمي مستفاداً أي إنا نستفيده، ونحن ننظر في هذا الاتصال هل هو ممكن للإنسان أم لا، فإن آخر ما ينتهي إليه صاحب هذا العلم هو الفحص عن الكمالات الأخيرة الموجودة للأمور الطبيعية بما هي طبيعية ومتغيرة، كما أنه ينتهي بالفحص عن السبب الأقصى لها في التحريك والمتحرك، وهو الفاعل الأقصى والهيولى الأولى.
فنقول أن القوم يعتمدون في ذلك أن العقل النظري لما كان من طبيعة انتزاع الصورة من الموضوع وكان ينتزع الصورة غير المفارقة فهو أحرى أن تنتزع هذه الصورة المفارقة، أعني إذا نظر في هذه المعقولات الحادثة بما هي معقولات، وذلك إذا صارت عقلاً بالفعل وعلى كمالها الأخير، أعني الهيولى وذلك أنه لما لم تصر على كمالها الأخير فهو عقل متكون، وفعل الكائن بما هو كائن ناقص، وإذا تقرر هذا فهذا التصور هو الكمال الأخير للإنسان والغاية المقصودة - وهاهنا انقضى القول في القوة الناطقة.
[القول في القوة النزوعية]
وهذه القوة بين من أمرها أنها غير القوى التي سلفت وأنها مباينة بوجودها لتلك، وذلك أنا لسنا نقدر أن نقول إنها القوة الحساسة والمتخيلة، لأن كل واحدة من هاتين القوتين قد توجد خلوا من هذه وذلك أنا قد نحس ونتخيل من غير أن ننزع، وإن كان ليس يمكن أن ننزع دون هاتين القوتين، أعني قوة التخيل والجس. ولذلك ما نرى أنها متقدمة لهذه القوة، أعني النزوعية التقدم الذي بالطبع، ولهذا السبب عينه عدم إنبات هذه القوة لما عدم الحس والتخيل ليس هاتان القوتان تتقدم هذه القوة فقط، أعني النزوعية، بل قد توجد القوة الناطقة أيضاً متقدمة لها في المعارف النظرية، وذلك أنا قد ننزع عن التصور الذي يكون بالعقل وقد ننزع أيضاً عن الصورة المتخيلة، بالفكر والروية، وذلك في الأمور العملية. وإذا كان هذا هكذا وكانت هاتان القوتان، أعني قوة الحس والتخيل متقدمة لهذه القوه فلا يخول الأمر في ذلك من أحد شيئين، أما أن تهون هاتان القوتان موضوعة لهذه القوة، أعني قوة النزوع على جهة. ما الهيولى موضوعة للصور، أو يكون الموضوع لها واحداً ويكون وجود قوة النزوع في ذلك الموضوع تابعاً لوجود قوة التخيل أو الحس على جهة ما تتبع اللواحق الأشياء التي هي لها لواحق. هذا إن كان يوجد نزوع دون تخيل بل عن الحس فقط على ما يظهر ذلك في الحيوان غير المتخيل كالذباب والدود. وأما إن كان لا يوجد نزوع دون تخيل ما فالمتقدم بالطبع لهذه القوة إنما هو قوة التخيل فقط، والفحص حينئذ إنما يكون فقط عن نسبة هذه القوة إلى قوة التخيل، هل ذلك نسبة اللاحق أو نسبة الاستكمال.
وإذا تبين كيف نسبتها إلى التخيل تبين ضرورة نسبتها إلى النفس الناطقة. ولذلك ما ينبغي أن نفحص أولاً من أمر هذه القوة عن هذا المعنى، أعني هل يوجد نزوع دون تخيل، وأن لم يوجد فعلى أي حال ينسب إلى التخيل، ثم نفحص بعد ذلك من أمرها هل هي واحدة أو كثيرة، وعلى أي جهة يوجد الحيوان متحركاً عنها الحركة المكانية، هل ذلك على أنها المحرك الأقصى له في هذه الحركة أم هي محركة للحيوان بجهة متحركة بأخرى على جهة مما يوجد المحرك الأوسط، وبالجملة فنفحص عن الأشياء التي بها تلتئم هذه الحركة. وإنما كان الفحص من هذه الحركة في هذا الوضع، إذ كنا نرى أن أخص أسباب هذه الحركة هي هذه القوة، أعني قوة النزوع وأنها وأن كانت إنما تحرك الحيوان بمعاضدة غيرها من القوى فهي السبب الأخص فتحريكه. فإذا وقفنا على هذا كله من أمرها يكون قد حصل لنا العلم بجوهرها على التمام.