وهاهنا قوة أخرى منسوبة إلى النبات هي كالكمال والصورة للقوة الغاذية، إذ كانت لا يمكن أن توجد خلوا من الغاذية، ويمكن أن توجد الغاذية خلوا منها وهي القوة النامية، وهذه القوة هي القوة التي من شأنها عندما تولد الغاذية من الغذاء أكثر مما تحلل من الجسم أن تنمي الأعضاء في جميع أجزائها وأقطارها على نسبة واحدة، وهو بين أن هذه القوة مغايرة بالماهية للغاذية. فإن فعل التنمية غير فعلِ الحفظ، فإن هذه القوة قوة فاعلة، فبين مما رسمناها به كذلك أيضاً كونها نفساً.
وأما السبب الغائي الذي من اجله وجدت هذه القوة فإنه لما كانت الأجسام الطبيعية لها أعظام محدودة وكان لا يمكن في الأجسام المتنفسة أن توجد لها من أول الأمر العظم الذي يخصها احتيج إلى هذه القوة، ولذلك إذا ما بلغ الموجود العظم الذي له بالطبع كفت هذه القوة.
وبين مما قبل أيضاً في النفس الغاذية أن آلة هذه القوة هي الحرارة الغريزية، فأما كيف تكون هذه الحركة وبماذا تكون فقد لخص القول في ذلك في كتاب الكون والفساد، وليس هذا الفعل فقط ينسب لهذه النفس، أعني النمو بل وضده وهو الاضمحلال. فإن هذه الحركة أيضاً محدودة مرتبة وذلك أنها إذا عرضت تعرض في كل نقطة وجزء محسوس من أجزاء المضمحل على السواء وليس مثل هذا الاضمحلال ما يمكن أن ينسب إلى ما من خارج فقط.
ولما كانت أيضاً هذه الأجسام المتنفسة منها متناسلة، ومنها غير متناسلة، وكانت المتناسلة هي التي يمكن فيها أن توجد مثلها بالنوع أو شبيهاً بها وذلك بما يوجد عنها من البزور والمني، فإذن هاهنا قوة أخرى تفعل من الغذاء ما شأنه أن يتكون عنه مثل الشخص الذي توجد له هذه القوة.
وبين من هذا أن هذه القوة فاعلة وأنها نفس، وأن آلتها هي الحرارة الغريزية، إذ كان لا فرق بين هذه القوة والقوة الغاذية، إلا أن هذه القوة شأنها أن تفعل مما هو بالقوة شخص من نوعه شخصاً بالفعل، والغاذية إنما تفعل جزء شخص، وإنما جعلت هذه القوة في الأشياء التي هي موجودة فيها لا على جهة الضرورة، كالحال في القوة الغاذية والنامية بل على جهة الأفضل لتكون لهذه الموجودات حظ من البقاء الأزلي بحسب ما يمكن في طباعها. فإن اقرب شيء إلى الوجود الضروري بالشخص هو هذا الوجود، وكانت هذه الموجودات أعطيت من أول الأمر وجودها وقوة تحفظ بها وجودها.
وأما غير المتناسلة فلم تعط إلا وجودها فقط لأنه لم يمكن فيها أكثر من ذلك.
فهاهنا إذن ثلاث قوى: أولها الغاذية هي كالهيولى لهاتين القوتين، أعني النامية، والمولدة. إذ كان قد توجد الغاذية دونهما وليس توجد أن دون الغاذية. أما المولدة فكأنها تمام القوة النامية، ولذلك ما تصرف الطباع الفضلة من الغذاء الذي كان بها النمو عند كمال النمو إلى التوليد فتكون منها البزور والمني، وهذه القوة أعني قوة التوليد قد يمكن أيضاً أن تفارق الغاذية، وذلك في آخر العمر. وأما مفارقة الغاذية فهو موت، فقد تبين من هذا القول ما النفس الغاذية والمنمية والمولدة، وأي آلة آلتها، ولم كان كل واحد منها في الجسم المتنفس فلنقل في القوة التي تتلو هذه في الحيوان وهي قوة الحس.
[القول في القوة الحساسة]
وهذه القوة بين من أمرها أنها قوة منفعلة، إذ كانت توجد مرة بالقوة ومرة بالفعل، وهذه القوة منها قريبة ومنها بعيدة والبعيدة كالقوة التي في الجنين على أن يحس، والقريبة كقوة النائم والمغمض عينه على أن يحس، وبين مما تقدم أن ما بالقوة من جهة ما هو بالقوة منسوب إلى الهيولى، وأن خروج القوة إلى الفعل تغير أو تابع لتغير، وأن كل متغير فله مغير ومحرك يعطي المتحرك شبيه ما في جوهره. وإذا كان ذلك كذلك فينبغي أن نتعرف من أمر هذه القوة أي وجود وجودها وما المحرك لها وعلى أي جهة تقبل التحريك.
فنقول أما القوة البعيدة وهي التي تكون في الجنين فقد تبين أي وجود وجودها في كتاب الحيوان، والمحرك لها هو ضرورة غير المحرك للقوة القريبة، إذ كان بهذا تكون القوتان اثنين، وقد تبين وجود هذا المحرك في كتاب الحيوان.
وأما المحرك للقوة القريبة فبين من أمره أنه المحسوسات بالفعل، والذي ينبغي هاهنا أن نطلب أي وجود وجود هذه القوة وعلى أي جهة تقبل التحريك عن المحسوسات.
فنقول إنه من البين مما تقدم أن القوة تقال على ثلاثة أضرب: