فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: بلغني ما قلت لأميرك، وبلغني أن لك سيفاً تسميه الصمصامة، وعندي سيف اسمه مصمصم، وابم الله لئن وضعته على هامتك لا أقلعه حتى أبلغ رهايتك فإن سرك أن تعلم ما أقول فأعد (الرهاية: عظم في الصدر بشرف على البطن) . وحكى أبو عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ولدان عمرو وربيعة، وقد برعا في العلم والأدب، فلما بلغ أبوهما أقصى عمره، وأشفى على الفنا، دعاهما ليبلو عقلهما ويعرف مبلغ علمهما، فلما حضرا لديه، سألهما عن أشياء، من جملتها عن الخيل قال: فأخبرني يا عمرو أي الخيل أحب إليك عند الشدائد إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب ويلحق إذا طلب قال والله نعم الفرس نعت، فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلي منه. قال: فما هو؟ قال: الحصان الجواد الثبت القياد الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى، السابق إذا جرى، قال: فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطموح النكول الأنوح الصردل الضعيف، الملول العنيف الذي إذا جاريته سبقته. قال ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال وماهو؟ قال البطيء الثقيل، الذي إذا ضربته قمص، وإن دنوت منه شمص، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب، وغيره أبغض إلي منه قال: فما هو؟ قال الجموح الخبوط، الركوض الشموص الضروط، القطوف في الصعود والهبوط، الذي لا يسلم الصاحب ولا ينجو من الطالب.
وقيل لأعرابي صف لنا الجواد من الخيل فقال: إذا اشتد نفسه ورحل متنفسه، وطال عنقه واشتد حقوه، وأبهر شدقه، وعظمت فصوصه، وصلبت حوافره فهو من الجياد. وسئل غيره عنه فقال: إذا عدا اسعلب وإذا قيض اجلعب وإذا انتصب اتلأب أي إذا ركض كان كالسابح (وقوله اجلعب أي مضى وجد في سيره وقوله اتلأب أي استقام) قال أبي بن سلمى الضبي:
وخيل تلافيت ريعانها ... بعجلزة جمزى المدخر
جموم الجراء إذا عوقبت ... وإن نوزقت برزت بالحضر
سبوح إذا اعترضت في العنان ... مروح ململمة بالحجر
دفعن على نعم بالعرا ... ق من حيث أفضى به ذو شمر
فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر
وعرضت على ابن قيصر من بني أسد بن خزيمة خيل فأومأ إلى بعضها وقال تجيء هذه سابقة. فسئل ما الذي رأيت فيها؟ فقال: رأيتها مشت فكتفت، وخبت فرجفت، وعدت فنسفت، فجاءت كما قال سابقة. وسئلت ابنة الخس: أي الخيل أحب إليك؟ فقالت: ذو المائعة الصنيع، السليط التليع، الأيد الضليع، الملهب السريع، فقيل لها: أي الغيوث أحب إليك؟ قالت ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، الصخب المنبثق. (قولها: المائعة: ناصية الفرس إذا طالت وسالت، والصنيع السمين والسليط الشديد، والتليع الرافع رأسه والأيد القوي والصليع شديد الأضلاع، والملهب مثير الغبار في عدوه، والسريع ما يكون في أوائل الخيل، والهيدب السحاب المتدلي، والمنبعق المنبعج بالمطر، والأضخم الثقيل، والمؤتلق البرق اللامع، والصخب شدة الصوت، والمنبثق المنفجر.
وقيل لها: ما مئة من المعز؟ قالت: مويل يشف الفقر من ورائه، مال الضعيف وحرفة العاجز، قيل لها فما مئة من الضأن؟ قالت: قرية لا حمى لها، قيل لها فما مئة من الإبل؟ قالت: بخٍ جمال ومال ومنى الرجال، قيل لها: فما مئة من الخيل؟ قالت طغى من كانت له ولا توجد، قيل لها فما مئة من الحمر؟ قالت: عارية الليل وخزي المجلس، لا لبن لها فيحلب، ولا صوف فيجز، إن ربط عيرها أدلى، وإن ترك ولى. واجتمع خمس جوار من العرب وقلن: هلمن ننعت خيل آبائنا، فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة؟ ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخرق، ونفس مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهداب، وعقبها غلاب.
وقالت الثانية: فرس أبي اللعاب، وما اللعاب، غيبة سحاب، واضطرام غاب، مرقص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معاج، وإن أدبر فظليم هداج، وإن أحضر فعلج هراج.
وقالت الثالثة: فرس أبي خدمة، وما خدمة؟ إن أقبلت فقناة مقومة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذيبة معجرمة، أرساغها مترقصة، وفصوصها ممحصة، جريها انشرار، وتقريبها انكدار.