وقالت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق؟ ذات ناهق معرق، وشدق أشدق، وأديم مملق، لها خلق أشرف، ودسيع منفنف وتليل مسيف، وثابة ولوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج.
وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول؟ طريده محبول، وطالبه مشكول، دقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخد مرجم، منيف الحارك، أشر السنابك، مجدول الخصائل، سبط الغلائل، معوج التليل، صلصال الصهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعلوه كاف.
فوردة في كلام الأولى: اسم الفرس، والمزحلق: الأملس، والأخلق: ناعم الجلد، والأحرق: واسع البطن، والمروح: السهل، والطروخ: حديد البصر، والضروح: قوة الجري التي تمد يديها في الجري كما يمد السابح في الماء يديه، والإهداب: نوع من الركض، والغلاب: إدامة الجري بلا تعب، والسحاب في قول الثانية: المطر، أي هو كالمطر في شدة الجري، ومرقص الأوصال: أي محكم الأعضاء، والقذال: محل عقد العذار، أي: مرتفعه، وملاحك المحال: أي متقارب فقرات الظهر، والظبي المعاج: الغزال المسرع، أي أنه كالظبي إذا أقبل، وكالظليم إذا أدبر، وكحمار الوحش إذا أحضر. والأثفية الململمة في قول الثالثة: أي الحجرة المدورة والمعجرمة المسرعة. والناهق في قول الرابعة: العظم الشاخص في الخد، والمعرق: قليل اللحم وأديم مملق: أي ناعمة الجلد، والدسيع: مركب العنق في الحارك، وثابة ثلوج: أي سريعة الوثب، وخيفانة رهوج: أي كالجرادة في سرعة جريها، والإهماج: أسرع العدو. والملاغم في قول الخامسة: الحجافل، والمعاقم المفاصم ومخد مرجم: أي قوي على السير كأنه يشق الأرض بحوافره.
وقال ابن الأثير: وطالما امتطيت صهوة مطهم فغنيت عن نشوة الكميت من ذات نهد يسابق الريح فيغبر وجهها دون شق غباره، وإذا ظهر عليها رجعت حسرى في مضماره، نسب إلى الأعوج وهو مستقيم في الكر والفر وقد حنقت عليه عين الشمس إذ لا يمكنها أن ترسم ظله على الأرض إذا مر، ليلي الإهاب لطم جبينه الصباح ببهائه، فعدا عليه وخاض يقتص منه في أحشائه كما قال ابن نباتة السعدي:
وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
وقد أغتدي عليه والطير في وكناتها فلايفوتني الأجدل
وإذا أطلقته لصيد الوحوش رأيتني على منجرد قيد الأوابد هيكل وقال في وصف فرس: له من العربية حسب ومن الكردية نسب فهو من بينهما مستنتج لا ينتسب إلى خبيب ولا إلى أعوج. ومن صفاته أنه رحب اللبان، عريض البطان، سلس العنان، ينثني على قدر الطعان، وعلى قدر الكرة والصولجان، قد استوت حالاته قادماً ومتأخراً، وإذا أقبل خلته مرتفعاً وإذا أدبر خلته منحدراً كأنه في حسنه دمية محراب، وفي خلقه ذروة هضاب، وهو في سباقه ولحاقه مخلق بخلق المضمار وبدم الصراب والصوار فهو منسوب إلى ذوات القوادم، وإن كان محسوباً في ذوات القوائم، كأنما ثنى لجامه على سالفة عقاب وشد حزامه على بارقة سحاب، فقوله لا يتنسب إلى خبيب ولا إلى أعوج فالأول فرس كريم للأكراد والثاني فرس مشهور من العراب) .
وكتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون: قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور جري الماء كما قال تأبط شراً:
ويسبق وقد الريح من حيث تنتحي ... بمنخرق من شدة المتدارك
وقال محمد بن الحسن في وصف فرس: حسن القميص، جيد الفصوص، وثيق القصب، نقي العصب، يبصر بأذنيه، ويتبوع بيديه، ويداخل برجليه، كأنه موج في لجة، أو سيل في حدور، يناهب المشي قبل أن يبعث ويلحق الأرانب في الصعداء ويجاوز جواري الظباء في الاستواء ويسبق في الحدور جري الماء إن عطف جار وإن أرسل طار وإن كلف السير أمعن وسار وإن حبس صفن، وإن استوقف قطن، وإن رعي ابن.
وقال ابن المعتز: ساد فلان في جيوش عليهم أردية السيوف وأقمصة الحديد، وكأن رماحهم قرون الوعول، وكأن أدراعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها، وتمد بالنقع سرادقها، قد نشرت في وجوهها غرر كأنها صحائف الورق، وأمسكها تحجيل كأنه إسورة اللجين، وقرطت عذاراً كأنها الشنف، تتلقف الأعداء أوائله ولم تنهض أواخره، قد صب عليهم وقار الصبر، وهبت معهم ريح النصر.