للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسئل أعرابي عن سوابق الخيل فقال: إذا مشى ردى وإذا عدا دحا، وإذا استقبل أقعى وإذا استدبر حبا، وإذا اعترض استوى (دحا: انبسط على الأرض، وأقعى: تساند إلى وراء، والحبو: ارتفاع المنكبين إلى العنق) .

وروي أن رجلاً خرج في الشهر الحرام لحاجة، فدخل في الحل فطلب رجلاً يستجير به، فرأى أغلمة يلعبون فقال لهم: من سيد هذا الحي؟ فقال له غلام: هو أبي. قال: ومن أبوك؟ قال باغث بن عويص، قال: صف لي بيت أبيك. قال: بيت كأنه حرة سوداء أو غمامة جماء بفنائه ثلاثة أفراس: أما أحدهم فمفزع الأكتاف، متماحل الأكناف، متماثل الأطراف؛ وأما الآخر فذيال جوال صهال أمين الأوصال أشم القذال؛ وأما الثالث فمغار مدمج محبوك مجملج كالقهق الأدعج، فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء وقال: يا باغث جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه وأجاره.

وروي أن شاباً ابتاع فرساً فجاء إلى أمه، وقد كف بصرها، وقال: يا أماه قد اشتريت فرساً فقالت: صفه لي. قال: إذا استقبل فظبي ناصب وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب، مؤلل المسمعين، طامح النظرين، فقالت: أجدت إن كنت أعربت، قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصهيل، فقالت: أكرمت فارتبط. وحكى زهير بن حباب أن علقمة بن جندل الطعان أغار على عبد الله بن كنانة بن بكر وهم بعسفان، فقتل عبد الله بن هبل ومالك بن عبيدة وصريم بن قيس بن هبل، وأسر مالك بن عبد الله بن هبل وأفلت من أفلت، فأقبلت جارية من عبد الله بن كنانة فقالت لزهير: يا عماه! ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان أبوك؟ قالت: على شفاء ثفاء طويلة الإنقاء تمطق الشيخ بالمرق. قال: نجا أبوك. ثم أتته أخرى وقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على طويل بطنها قصير ظهرها هاديها شطرها يكبها حضرها فقال: نجا أبوك. ثم أتتع بنت مالك بن عبيدة فقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على الكزة الأنوح، التي يكفيها لبن اللقوح، فقال: هلك أبوك. فقال رجل: ما أسوأ بكاها فقال: لا تعلم اليتيم البكا فأرسلها مثلاً.

وروى أبو الفرج الأصبهاني أن خالد بن كلاب أتى النعمان بن المنذر بفرس فوجد عنده الحارث بن ظالم والربيع بن زياد فقبله منه وأكرمه فقام الحارث وقد له فرسه وقال أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني قرة فلن تؤتى بفرس يشق غباره، إن لم تنسبه انتسب، كنت ارتبطه لغزو بني عامر بن صعصعة، فلما أكرمت خالداً أهديته إليك، فقام الربيع بن زياد وقدم له فرسه ثم قال: أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة، ولم يعتلك في سفر، وفضله على هذين الفرسين، كفضل بني عامر على غيرهم، فغضب النعمان عند ذلك وقال: يا معشر قيس أي خيلكم أشباهنا؟ أين اللواتي كان أذنابها شقاق أعلام ومناخرها وجار الضباع، وعيونها بغايا النساء، رقاق المستطعم، تعالك اللجم في أشداقها، تدور على مذاودها، كأنما يقضمن حصى. فقال خالد: زعم الحارث أبيت اللعن أن تلك خيله وخيل آبائه فغضب النعمان عند ذلك على الحارث. وروي أن الحجاج سأل ابن القرية عن صفة الجواد فقال: هو الطويل الثلاث القصير الثلاث الرحب الثلاث العريض الثلاث الصافي الثلاث الأسود الثلاث الغليظ الثلاث فقال صفهن وبين قال: أما الطويل الثلاث فالأذن والعنق والذراع، وأما القصير الثلاث فالعسيب والرسغ والظهر، وأما الرحب الثلاث فالجوف والمنخر واللبب، وأما العريض الثلاث فالجبهة والصدر والكفل، وأما الصافي الثلاث فالأديم والعين والحافر، وأما الأسود الثلاث فالحدقة والحجفلة والحافر، وأما الغليظ الثلاث فالفخذ والوظيف والرسغ وقد نظم الصفي الحلي بعضها بقوله:

وطرف تخيرته طرفة ... وأحببته من جميع التراث

إذا انقض كالصقر في حلبة ... ترى الخيل في إثره كالبغاث

حوى ببدائع أوصافه ... مضاء الذكور وصبر الإناث

طويل الثلاث قصير الثلاث ... عريض الثلاث فسيح الثلاث

وقال آخر:

وقد أغتدي قبل ضوء الصباح ... وورد القطا في القطاة الحثاث

بصافي الثلاث عريض الثلاث ... قصير الثلاث طويل الثلاث

<<  <   >  >>