للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشترى رجل دابة من دميرة فوجد بها عيوباً كثيرة، فحضر إلى القاضي يشتكي حاله، وما أصابه من الغم وناله، فقال له القاضي: ما قصتك وشكواك، وما الذي من الهم والغم دهاك، فقال أيها القاضي، إني بحكمك راض، اشتريت من هذا الدميري دابة اشترط لي فيها الصحة والسلامة، فوجدت بها عيوباً أعقبتني ندامة، وقد سألت ردها فأبى، وقال عند رؤيته إياي لا أهلاً بك ولا مرحباً، فقال القاضي: أبن ما بها من العيوب، فقال له: كلها عيوب وذنوب، وهي أنحس مركوب، وأخس مصحوب، إن ركبتها رفصت، وإن نخستها شمصت، وإن همزتها قمصت، وإن لكزتها رقصت، وإن سقتها رقدت، وإن نزلت عنها شردت، تقطع في يديها، وتصك في رجليها، كردة جردة، قصيرة الذنب، محلولة العصب، مقطوعة العقب، حدباء جرباء، كباء لا تقوم حتى تحمل على الخشب، ولا تنام حتى تكبل بالسلب، إن قربت من الجرار كسرتها، وإن دنت من الصغار رفصتهم عفشة نكشة تكشر عن أسنانها، وتقرض في عنانها، وتمشي في سنة أقل من يوم، فالويل لراكبها إن وثب عليه القوم، إن قلت لها حاحا قالت ازاز، وإن قلت لها ترتر قال من حولها زر زر، إن رمت تقديمها تأخرت، وإن لكزتها سخرت ونخرت، من استنصر بها خذلته ومن ساقها رمته فقتلته، وتمام أحوالها أنها تبول وترش صاحبها ببولها، ومتى حملتها فلا تنهض، وتقرض في حبلها، وتجفل من ظلها، ولا تعرف منزل أهلها، كرامة هجامة، نوامة كأنها هامة، وهي في الدواب مشؤومة، حرونة ملعونة مجنونة، تقلع الوتد وتمرض الجسد، وتفتت الكبد، ولا تركن إلى أحد، تشمر وتغدر، وتعثر، واقفة الصدر، محلولة الظهر، بداءة الأذنين، عمشاءة العينين طويلة الإصبعين، قصيرة الرجلين، ضيقة الأنفاس، مقلعة الأضراس، صغيرة الرأس، كثيرة النعاس، مشيها قليل، وجشمها نحيل، وراكبها عليل، وهو بين الأعزاء ذليل، تجفل من الهوا، وتعثر بالنوى، وتخيل بشعره (أي يعتريها الجنون بأدنى سبب) وتتكبل ببعره، نهاقة شهاقة، غير مطراقة، لا تقفز معدية، ولا تشرب إلا في قصديةوبها وجع الكبد والرئة، لا تبول إلا في الطريق، وتحشر صاحبها في كل ضيق، وتهوس عليه في المكان المضيق، وتنقطع به في الطريق عن الصديق، وتعض ركبة الرفيق، وهي عديمة التوفيق على التحقيق، فإن ردها فأكرم جانبه، وإن لم يردها فانتف شاربه، وأصقع غاربه، وأفك مضاربه ولا تحوجني أن أضاربه والسلام.

واشترى رجل برزونا، وقال لبائعه: سألتك بالله هل فيه عيب، فقال له: لا إلا أن يكون فيه قليل مشش كأنه بطيخة، وقليل جرذ كأنه قتاية، وقليل وبر كأنه سفرجلة، فقال له المشتري: جئنا نشتري منك برذوناً أو بستاناً.

وبات صفي الدين الحلي في منزل رجل يسمى عيسى فلم يقره ولم يطعم فرسه، فلما أصبح خرج من عنده وهو يقول:

رأى فرسي إسطبل عيسى فقال لي: ... قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل

به لم أذق طعم الشعير كأنني ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل

تقعقع من برد الثناء أضالعي ... لما نسجتها من جنوب وشمأل

إذا سمع السواس صوت تحمحمي ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل

أعول في وقت العليق عليهم ... وهل عند رسم دارس من معول

وقال أيضاً في ذم فرس له:

ولي فرس ليست شكوراً وإنما ... بها تضرب الأمثال في العض والرفس

إذا جفلت بي في ضياع دوارس ... فليس لها قبض سوى في جوى فرس

تعربد في وقت الصباح من الضيا ... وتجفل في الآصال من شفق الشمس

فيا ليتها عند العليق جفوله ... كما هي منكاد من الجر والحس

فلو شربت بالغلس من كف حاتم ... لأصبح ندماناً على تلف الغلس

ولو برزت في جحف تحت عنتر ... لجندل وانفلت حبوس بني عبس

وكان لمحمد بن عبد الملك برزوناً أشيهب لم ير مثله، فسعى به محمد بن خالد إلى المعتصم، ووصفه له فبعث المعتصم إليه وأخذه منه، فقال:

كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودعنا الأحم الأشهب

دب الوشاة فأبعدوك وربما ... بعد الفنا وهو الأحب الأقرب

لله يوم نأيت عنا ظاعناً ... وسلبت قربك أي علق أسلب

نفس مفرقة أقام فريقها ... ومضى لطيته فريق يجنب

فالآن إذ كملت أدانك كلها ... ودعا العيون إليك لون معجب

واختير من سر الحدائد خيرها ... لك خالصاً ومن الحلي الأغرب

<<  <   >  >>