للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكم أوثر التخفيف عنكم فلم أجد ... سواك لأيامٍ قليل كرامها

ولي فرس أنت العليم بحالها ... وبالرغم مني ربطها ومقامها

ولم يبق منها الجهد إلا بقية ... فيغدو عليها أو يروح حمامها

شكتني بين الناس وهي بهيمة ... ولكن لها حال فصيح كلامها

إذا خرجت تحت الظلام فما ترى ... من الضعف إلا أن يصك لجامها

وليست تراها العين إلا عباءة ... يشد عليها سرجها ولجامها

لها تربة في كل يوم على الطوى ... ولو تركتها صح منها صيامها

وعهدي بها تبكي على التبن وحده ... فكيف على فقد الشعير مقامها

وشكى بعض أهل الأدب زمانه بقوله:

ولي فرس من نل أعوج سابق ... ولكن على فقد الشعير يحمحم

وأقسم ما قصرت فيما يزيدني ... علواً ولكن عند من أتقدم

وجاء غلام شرف الدين الحلاوي وأخبره بأن فرسه قد تشبك بالحمر فقال:

جاء غلامي وشكا ... أمر كميتي وبكى

وقال برذونك لا ... نشك قد تشبكا

قد سقته اليوم فما ... مشى ولا تحركا

فقلت من غيظ له ... مجاوباً لما حكى

ابن الحلاوي أنا ... فلا تكن معلكا

لو أنه مسير ... لما غدا مشبكا

وقال لسان الدين ابن الخطيب:

قال جوادي عندما ... همزن همزاً أعجزه

إلى متى تهمزني ... ويل لكل همزه

وقال ابن نباته يرثي فرسه:

لهفي على فرسي الذي ... أضحى قريح المقلتين

يكبو وأملك رقه ... فمعتر في الحالتين

وأهدى ثقيل إلى بعض الظرفاء جملاً، ثم نزل عليه حتى أبرمه فقال فيه:

يا مبرماً أهدى جمل ... خذ وانصرف ألفي جمل

قال وما أوقارها ... قلت زبيب وعسل

قال ومن يقودها ... قلت له ألفا رجل

قال ومن يسوقها ... قلت له ألفا بطل

قال وما لباسهم ... قلت حلي وحلل

قال وما سلاحهم ... قلت سيوف وأسل

قال عبيد لي إذن ... قلت: نعم ثم خول

قال بهذا فاكتبوا ... إذن عليكم لي سجل

قلت له الفي سجل ... فاضمن لنا أن ترتحل

قال ترى أضجرتكم؟ ... قلت أجل ثم أجل

قال وقد أبرمتكم؟ ... قلت له الأمر جلل

قال وقد أثقلتكم؟ ... قلت له فوق الثقل

قال إني راحل ... قلت العجل ثم العجل

يا كوكب الشؤم ومن ... أربى على نحس زحل

يا جبلاً من جبل ... في جبل فوق جبل

وحمل محمد بن عبيد الله بن خاقان أبا الغياء على فرس، زعم أنه غير فاره، فكتب إليه: أعلم الوزير أعزه الله أن أبا علي محمد أراد أن يبرني فعقني، وأن يركبني فأرجلني أمر لي بفرس تقف للنبرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عجفاً، وكالعاشق المجهور زلفاً، وقد ذكرت الرواة عذرة العذري والمجنون العامري، مساعد أعلاه لأسفله، حباق مقرون بسعاله فلو أمسك لترجيت، ولو أفرد لتعزيت، ولكنه يجمعهما في الطريق المعمور والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد، تضحك من فعله النسوان، وتتناغى من أجله الصبيان، فمن صائح يصيح داوه بالطباشير، ومن قائل يقول نوله الشعير، قد حفظ الأشعار وروى الأخبار ولحق العلماء في الأمصار، فلو أعين بنطق لروى بحق وصدق، عن جابر الجعفي وعامر الشعبي، وإنما أتيت من كاتبه الأعور الذي إذا اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإن اختار لغيره أخبث وأنذر، فإن رأى الوزير أن يبدلني به ويريحني منه بمركوب يضحكني كما أضحك مني، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطره العيب بقبحه ودمامته، ولست أذكر أمر سرجه ولجامه، فإن الوزير أكرم من أن يسلب ما يهديه أو ينقص ما يمضيه فوجه عبيد الله إليه برزوناً من برازينه بسرجه ولجامه.

ثم اجتمع مع محمد بن عبيد الله عند أبيه، فقال عبيد الله: شكوت دابة محمد وقد أخبرني الآن أنه يشتريه منك بمئة دينار وما هذا ثمنه، لا يشتكي، فقال: أعز الله الوزير لو لم أكذب مستزيداً لم أنصرف مستفيداً، وإني وإياه لكما قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. فضحك عبيد الله وقال: حجتك الداحضة بملاحتك وظرفك أبلغ من حجة غيرك البالغة.

<<  <   >  >>