للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيره، فيختمون به فلا يقرأ إلا بعد فض الخاتم، وذلك لئلّا يطلع على ما في الكتاب أحد اخر «١» .

أما «الاتفاقيات والعهود» التي عقدها النبي صلّى الله عليه وسلم سواء كان ذلك مع الكيانات السياسية الموجودة، أو القبائل العربية، فقد أظهرت ذكاء الدبلوماسية الإسلامية في التعامل مع الأحداث، وكانت هذه الدبلوماسية تعتمد مصلحة الجماعة الإسلامية، وتأخذ بعناصر ومقتضيات الواقع، ففي صلح الحديبية (٦ هـ) - بشروطه المعروفة «٢» - ظهرت ملامح هذه الدبلوماسية في التحرك لربط المناطق المختلفة بالمواثيق والعهود وكتب الأمان من أجل فرض العزلة على مكة، ونشر الإسلام بين القبائل، والانفراد بخيبر، ليمنع تحالفها مع قريش وحتى لا تبقى قوة تدعهم القبائل المعارضة في الشمال. يتضح هذا من قول البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) : «والمصلحة المترتبة على إتمام صلح الحديبية ما ظهر من ثمراته الباهرة، وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة، وإسلام أهلها كلهم، ودخول الناس في دين الله أفواجا» «٣» .

ذكرت لنا المصادر مجموعة كبيرة من العقود والمعاهدات، ومنها معاهدات مع وفد همذان والنخع وكلب وثقيف وأذرح والجرباء وغيرها «٤» .

كان مضمون هذه المعاهدات متقاربا، فقد ذكر في كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى جرباء وأذرح « ... أنهم امنون بأمان الله، وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار كل رجب، وأن الله عليهم كفيل بالنعم والإحسان إلى من لجأ إليهم من المسلمين» «٥» ، وهكذا كانت بقية المعاهدات إلا في بعض التفصيلات التي تخص كل قوم دون غيرهم.

كانت تتسم هذه «المعاهدات والاتفاقيات» بالإيجاز في القول وتحاشي استخدام


(١) الأحمدي، مكاتيب (ج ١، ص ٣٢) .
(٢) كانت شروط الصلح تنص على ما يلي «اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ... من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء ممن مع محمد لم يردوه عليه ... وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل فيه» . انظر: ابن هشام، السيرة (م ٢، ص ٣١٧، ٣١٨) . ابن سعد، الطبقات (ج ٢، ص ٩٧) . البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٣٥٠) .
(٣) البلاذري، أنساب (ج ١، ص ٢١١) .
(٤) انظر: ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٣١٢، ٣١٤، ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٤٠، ٣٤٢، ٣٤٦، ٣٤٧) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (١١٩/ أ) (ص ٢٩٤، ٢٩٥) . رقم (١١١) ، (ص ٢٣١) . ورقم (١٨١) ، (ص ٢٨٤- ٢٨٦) . رقم (٣٣) ، (ص ١١٨، ١١٩) .
(٥) ابن هشام، السيرة (م ٢، ص ٥٢٥) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (٣١/ أ) (ص ١١٧، ١١٨) .

<<  <   >  >>