للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظهر في مكة نظام «الحمس» وهو ذو دلالة اقتصادية، وكانت مكة تطبقه على غير القرشيين، وهناك صلة بين نظام «الإيلاف» ونظام «الحمس» «١» ، فالإيلاف امتازت به مكة عند القبائل العربية والدول المجاورة خارج مكة، و «الحمس» امتازت به مكة عند القبائل داخل مكة أيام الموسم «٢» .

وتشير المصادر إلى أن مكة أصبحت سوقا مالية، فقد لعب الصيارفة دورا رئيسيّا في الحياة الاقتصادية، فكان هؤلاء يديرون عملية تبادل السلع والعملات، ويقرضون التجار، وأحيانا كان يلجأ الصيرفي إلى التجار في حالة الإفلاس، فيشير المبرد (ت ٢٨٥ هـ) : «أنه افتقر رجل من الصيارفة بإلحاح الناس في أخذ أموالهم التي كانت لديه ... فسأل جماعة من الجيران أن يسيروا معه إلى رجل من قريش كان موسرا لمبادلته ... فذهبوا إليه» «٣» وهذا يدل على أن الصيارفة كانوا يتاجرون بالأموال، فهم مركز مصرفي أخذا وعطاء.

بقي أن نذكر في إدارة مكة المالية قضية «الضرائب» التي كانت تأخذها مكة. فقد اصطلحت قريش أن تأخذ ممن كان ينزل عليها في الجاهلية حقّا دعته «حق قريش» «٤» ، فكانوا يأخذون من الغريب القادم إليهم عن هذا الحق بعض ثيابه أو بعض بدنته التي ينحر. ونجد مثلا على ذلك (أن ظويلم- مانع الحريم- خرج يريد الحج فنزل على المغيرة بن عبد الله المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ منه ما كانت قريش تأخذ فامتنع عليه ظويلم) «٥» .

وكانت هناك ضريبة «العشر» مقررة في كل سوق، يستوفيها عشارون ممن يبيع ويشتري المشرف على السوق ومن في أرضه يقام «٦» . ومن هنا، فقد تنافس هؤلاء


(١) الحمس: قال ابن إسحاق: «وقد كانت قريش- لا أدري أقبل الفيل أم بعده- ابتدعت قضية الحمس، فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت، فأصبحوا لا يعظمون شيئا من الحل كما يعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت بكم العرب، فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها» . انظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١٩٩) . وانظر الأزرقي، أخبار (ج ١، ص ١١٨، ١١٩) .
(٢) ابن هشام، السيرة (م ١، ١٩٩) . ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ٧٢) . ابن حبيب، المحبّر (١٧٨، ١٧٩) . الأزرقي، أخبار مكة (ج ١، ص ١١٩- ١٢٣) . الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت ٢٥٥ هـ) البلدان، نشره صالح العلي مستلة من مجلة كلية الاداب بغداد مطبعة الحكومة سنة (١٩٧٠) (ص ٤٧٢) . ودرادكة، الإيلاف مجلة دراسات تاريخية عدد (١٧، ١٨) (ص ٥٤- ٥٥) .
(٣) المبرد، الكامل (ص ٤٥٩) .
(٤) ابن دريد، الاشتقاق (ص ٢٨٢) .
(٥) سمي مانع الحريم؛ لأنه امتنع من دفع ثيابه أو بعض بدنته لأهل مكة، انظر ابن دريد، الاشتقاق (ص ٢٨٢) .
(٦) ابن منظور، اللسان (ج ٤، ص ٥٦٨) . الزّبيدي، التاج (ج ٣، ص ٤٠٠) .

<<  <   >  >>