للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذه الإدارة الجيدة من هاشم على المستويين الخارجي بأخذ الإيلاف من رؤساء الدول والقبائل العربية، والداخلي بإشراك أصحاب المبالغ الصغيرة مع الأغنياء، توسعت تجارة قريش، وأصبحت تلعب دورا مهمّا في التجارة الدولية في ذلك الوقت.

وبحكم موقع مكة ودورها التجاري وتوسطها القبائل العربية، أصبحت مكة سوقا للتبادل التجاري، تحصل القبائل العربية منها على حاجاتها، واستطاعت مكة أن تحافظ على هذا المركز بأن حرّمت الظلم في أسواقها، ومن أجل هذه الغاية كان حلف الفضول «١» ، حيث تعاقدت خمسة بطون قرشية ألاتدع مظلوما إلا نصرته «٢» ، ويظهر أن هذا الحلف جاء بعد حصول نوع من التجاوزات في الأسواق المكية، وترد إشارات إلى أن هذه الأسواق كانت تدار بطريقة دقيقة، فكان لكل سوق قوم ينظمون شؤونه، ويحافظون على الأمن والنظام فيه، وكان هناك من يحمل السلاح في الأسواق لردّ المظالم «٣» . ويشير إلى ذلك اليعقوبي (ت ٢٩٢ هـ) بقوله: «وكان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه الأسواق فسموا المحلين، وكان فيهم من ينكر ذلك وينصب نفسه لنصرة المظلوم والمنع من سفك الدماء وارتكاب المنكر فيسمون الذادة المحرمين» «٤» .

وتشير الروايات إلى دقة إدارة هذه الأسواق، فلكل سوق تاريخ معين يفترض ألا تتجاوزه، فيسمى لها تاريخ معين تبدأ فيه، ويسمى لها تاريخ تنتهي فيه، وقد ذكر هذه التواريخ مفصلة ابن حبيب (ت ٢٤٥ هـ) في المحبّر «٥» ، واليعقوبي (ت ٢٩٢ هـ) في التاريخ «٦» ، والقلقشندي (ت ٨٢١ هـ) في صبح الأعشى «٧» .


(١) قال النبي صلّى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه» رواه أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) . مسند أحمد، بيروت، دار صادر، المكتب الإسلامي. د. ت (ج ١، ص ١٩٠، ١٩٣) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١٢٢) . ابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ١٢٦- ١٢٨) . وابن حبيب، المحبّر (ص ١٦٧) . المنمق (ص ٤٥- ٥٠) . والمقدسي، مظهر بن طاهر (ت ٣٦٠ هـ) كتابه البدء والتاريخ، بغداد مكتبة المثنى سنة (١٨٩٩ م) (ج ٤، ص ١٣٧) .
(٢) ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١٢٢) . وابن سعد، الطبقات (ج ١، ص ١٢٦) . وابن حبيب، المنمق (ص ٤٥- ٥٠) . المحبّر (ص ١٦٧) . واليعقوبي، تاريخ (ج ٣، ص ١٧، ١٨) . والفاسي، شفاء الغرام (ج ٢، ص ٩٩، ١٠٠) .
(٣) جواد علي، المفصل (ج ٧، ص ٣٦٩) .
(٤) اليعقوبي، تاريخ (ج ١، ص ٢٧١) .
(٥) ابن حبيب، المحبر (ص ٢٦٣- ٢٦٨) .
(٦) اليعقوبي، تاريخ (ج ١، ص ٢٣٦) .
(٧) القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد (ت ٨٢١ هـ) صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القاهرة، وزارة الثقافة المصرية د. ت (ج ١، ص ٤١٠) (نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية) .

<<  <   >  >>