للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليشد بعضهم بعضا ولا سيما أن المهاجرين تركوا كل المقومات الأساسية للحياة في مكة «١» .

وهكذا كانت المؤاخاة خطوة مهمة في توحيد المجتمع الجديد تضاف إلى ما سبقها من خطوات، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد فكر جديّا بنظام يحل محل نظام «الأحلاف» الذي كان سائدا في الجاهلية فوضع نظام المؤاخاة بديلا عن ذلك.

لقد قدم الأنصار للمهاجرين أكثر مما توقعوه إذ «قالت الأنصار للرسول صلّى الله عليه وسلم:

يا رسول الله؛ اقسم بيننا وبينهم النخل. قال: «لا» . قال: «تكفونا المؤنة وتشركونا في التمر» . قالوا: سمعنا وأطعنا» «٢» .

لقد دلّت الروايات على أن المهاجرين عملوا في مزارع الأنصار مقابل أجرة معينة عن طريق المزارعة «٣» . ولم يقتصر كرم الأنصار على ذلك؛ بل وصل إلى حد أن قال سعد ابن الربيع (ت ٣ هـ) لعبد الرحمن بن عوف (ت ٣٢ هـ) أخيه في النظام الجديد: «إني أكثر الأنصار مالا فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. قال: بارك الله لك في أهلك، أين سوقكم؟

فدلوه على سوق بني قينقاع» «٤» ، وكان هذا التكافل الرائع هو القوة الوحيدة التي يمتلكها المجتمع المسلم في البداية، ومن ثم فإن هذا الإجراء كان ضروريّا لتفادي وقوع المهاجرين في مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة؛ ولا سيما أنهم يتقنون التجارة في حين كانت المدينة دار صناعة وزراعة «٥» .

كان المتاخون يتوارث بعضهم بعضا، فلما عزّ الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأحزاب: ٦] «٦» .

فنسخت هذه الاية ذلك التوارث الذي أقر بموجب نظام المؤاخاة، وبقي من معاني المؤاخاة النصر والنصيحة، وإلى هذا يشير الإمام النووي (ت ٦٧٦ هـ) بقوله: «أما


(١) ابن حبيب، المحبر (ص ٧٠- ٧٥) . الزرقاني، المواهب (ج ١٥، ص ٣٧٣) .
(٢) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٣٩) . النووي، شرح صحيح مسلم (ج ١٢، ص ٩٩) .
(٣) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٣٩) . مسلم، الصحيح (ج ٣، ص ١٤١) .
(٤) البخاري، الصحيح (ج ٥، ٣٩، ٨٨) . قال السمهودي: «إن السوق كانت في بني قينقاع، ثم حول السوق بعد ذلك» . انظر: السمهودي، وفاء الوفا (ج ١، ص ٥٣٩) .
(٥) البخاري، الصحيح (ج ٥، ص ٣٩، ٨٨) . أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، دار القلم، سنة (١٩٦٥ م) ، (ص ٦٧- ٦٩) .
(٦) انظر: الزمخشري، الكشاف (ج ٢، ص ١٧٠) . أبا حيان، البحر المحيط (ج ٤، ص ٥٢٣) . السيوطي، الدر المنثور (ج ٤، ص ١١٧) .

<<  <   >  >>