للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء، وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فباق لا ينسخ» «١» .

ولا شك في أن التوارث كان لمعالجة ظروف طارئة مرت بها الدعوة الإسلامية في المدينة، فكان هذا إجراء إداريّا سريعا للتغلب على هذه المشكلة، ومن المنتظر أن يكون المهاجرون قد ألفوا جو المدينة وتعرفوا إلى سبل الرزق فيها «٢» . وأصابوا من غنائم بدر (٢ هـ) ما سد حاجتهم، فرجع التوارث إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة البشرية والقائم على أساس الرحم والقرابة.

ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم أولى اهتماما كبيرا للناحية الاقتصادية لارتباطها بالكيان السياسي، وقد كانت قبائل اليهود تحتكر التجارة والأسواق وبيدهم عصب الاقتصاد في المدينة، ومثل هذا الوضع يجعلهم دولة داخل دولة وكان هناك عدة أسواق «٣» أشهرها سوق بني قينقاع، وكان هذا السوق هو السوق الرئيسي للمدينة، وكان العرب (الأنصار) يتعاملون فيه بيعا وشراء.

لقد تنبه النبي صلّى الله عليه وسلم إلى خطورة هذه السيطرة اليهودية، فكان لابد من إجراء إداري سريع يحوّل هذه السيطرة للأمة الجديدة، فيروى أن النبي صلّى الله عليه وسلم ذهب إلى أكبر سوق لليهود فألقى عليه نظرة فاحصة، ثم بحث عن مكان اخر في المدينة يعدل هذا السوق أو يفوته في المساحة والمركز والنظام «٤» . فقد روى ابن ماجه (ت ٢٧٥ هـ) : «أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت موضعا للسوق أفلا تنظر إليه؟. قال:

بلى، فقام معه حتى جاء موضع السوق، فلما راه أعجبه وركض برجليه، وقال:

«نعم سوقكم هذا فلا ينتقض ولا يضربن عليكم خراج» «٥» . ويذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم «ذهب ابتداء إلى سوق النبك، فنظر إليه فقال: «ليس لكم هذا بسوق» ثم رجع إلى


(١) مسلم، الصحيح (ج ٤، ص ١٩٦٠) (في الهامش) .
(٢) العمري، المجتمع المدني (خصائصه وتنظيماته) (ص ٧٧) .
(٣) منها سوق بزباله، وسوق بالجسر، وسوق بالصفاصف بالقصبة، وسوق في منطقة تسمى مزاحم، وهذه أسماء أماكن في المدينة المنورة. انظر: السمهودي، وفاء الوفا، (ج ١، ص ٥٣٩) .
(٤) أحمد محمد، الجانب السياسي في حياة الرسول (ط ١) الكويت، دار القلم، (١٤٠٢ هـ) ، (ص ٦٩) .
(٥) ابن ماجه، أبو عبد الله بن يزيد القزويني (ت ٢٧٥ هـ) ، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، د. ت (ج ٢، ص ٧٥١) ، (قال ابن ماجه: ضعيف) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج ٢، ص ١٦٤) .

<<  <   >  >>