ترى الواحد منهم فقيراً فى معرفته، ضئيلاً فى إنتاجه، ومع ذلك يرمق الحياة والأحياء بالنظر الشزر، ويعامل الناس معاملة العملاق للأقزام، والفيلسوف للعوام..
فى غير ميدان قابلت هؤلاء يتكلمون، أو يعملون، أو يحكمون فرأيتهم حراصاً على الظهور فى شارات الناس الكبار على حين تضعهم أقدارهم وثمارهم فى المستوى الهابط والمكانة النازلة!!
قلت فى نفسى: الناس يستكبرون بالعلم وهؤلاء يستكبرون بالجهل. الناس قد تأخذهم العزة بالطاقة وهؤلاء تأخذهم العزة بالإثم. ما أشقى بلادنا بهؤلاء..
لو أدرك هؤلاء ما فى كفايتهم من نقص لاستكملوه!.. لكن الحجاب المسدل على بصائرهم خيل إليهم أنهم عباقرة، فعاشوا ينكبون الناس بقصورهم وغرورهم..
وربما اغتر الأعور بنصف بصره بين لفيف العميان.
أما أن يغتر بعاهة بين أصحاب البصر الحديد فهذه النكبة الجائحة..!!
والعالم الآن مشحون بأصحاب المواهب المعجبة والخبرات الجيدة والتجارب المصقولة، والثروات الأدبية والمادية الهائلة.
فإذا سرنا نحن فى الموكب العالمى بهذه الحفنة من الأدعياء الفارغين فماذا يكون تقديرنا وماذا يكون مصيرنا؟؟
والشخص التافه يفلسف الأوضاع حوله بما يشبع كبره، ويصدق وهمه، أى أنه بدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ينظر إليها من جانب يرضيه ويطغيه.
وقد روت كتب الأدب القديم قصة هى على ما فيها من هزل صورة صادقة لكثير من ذوى المناصب المرموقة فى الأمة العربية الآن:
كان " أبو حية " النميرى جباناً يخيلاً كذاباً!.. قال ابن قتيبة:
وكان له سيف يسميه " لعاب المنية " ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان أجبن الناس، دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتاً لا عهد له به فانتضى سيفه، ووقف فى وسط الدار، وأخذ يقول:
" أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس ـ والله ـ ما اخترت لنفسك: خير قليل،