للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"وفد بشكست النحوي على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء دعاه هشام، وقال لفتيان بني أمية: "تلاحنوا عليه" فجعل بعضهم يقول: "يا أمير المؤمنين, رأيت أبي فلان ... " ويقول آخر: "مر بي أبي فلان ... " ونحو هذا، فلما ضجوا أدخل يده في صحفة فغمسها, ثم طلى لحيته وقال لنفسه: "ذوقي، هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال! "١.

إلى هذا المدى بلغ أمر اللحن في المائة الأولى للهجرة والدولة عربية محضة، والعصبية ذات سلطان، والقوم حديثو عهد بجزيرتهم ولا تزال مجتمعاتهم تتناقل القول المشهور: "ليس للاحن حرمة" وتتعامل به، هذا عبد الملك بن مروان استأذن عليه رجل من عِلْية أهل الشام وبين يديه قوم يلعبون بالشطرنج فقال: "يا غلام، غطها" فلما دخل الرجل فتكلم لحن، فقال عبد الملك: "يا غلام، اكشف عنها، ليس للاحن حرمة". "الأضداد لابن الأنباري ص٢٤٥".

وبيت الخلافة أعرق بيوت قريش شرفا ومجدا وبلاغة وأقواها عصبية وعروبة٢, والعرب -كما قرر ابن جني-


١ تاريخ دمشق لابن عساكر "مخطوطة الظاهرية" الجزء السابق الورقة ٤٥٤/ ١ ثم قال ابن عساكر فيه: "وكان نحويا أخذ عنه أهل المدينة، وكان يذهب مذهب الشراة ويكتم ذلك. فلما ظهر أبو حمزة الشاري بالمدينة "سنة ١٣٠هـ" خرج معه فقتل فيمن قتل بخلافة مروان بن محمد" واسمه عبد العزيز القارئ, وقيل في مقتله:
لقد كان بشكست عبد العزيز ... من أهل القراءة والمسجد
فبعدا لبشكست عبد العزيز ... وأما القرآن فلا يبعد
انظر النسخة الثانية من تاريخ دمشق لابن عساكر "رقم ٩/ ٣٣٧٤ تاريخ" ١٠ الورقة ٢٠٢، والأغاني ١/ ١١١ و٢٠/ ١٠٨ و١١٠, وإنباه الرواة ٢/ ١٨٣.
٢ هذا ومع ضعف السليقة العربية على الزمن لم يضعف استهجان الخاصة للحن، وحسبك هذه الحوادث الأربع رمزا إلى ذلك، وكلها في صدر الدولة العباسية: =

<<  <   >  >>