وظاهر أن دراسة هذا الفن حلقة عليا بعد دراسة النحو نفسه، وقد طمح ابن جني أن يكون مؤسسا لهذا الفن، وقد أشار إلى محاولة النحويين واللغويين أن يحوموا حوله، فسجل في كتابه "الخصائص" استمداد علوم اللغة من علوم الشريعة واحتذاء النحويين حذو علماء الشريعة، وأشار إلى كتب الإمام محمد صاحب أبي حنيفة بقوله:"وكذلك كتب محمد بن الحسن -رحمه الله- ينتزع أصحابنا منها العلل لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه، فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفة والرفق"١. لكن الله شاء أن تكون هذه السابقة لابن الأنباري بعد ابن جني بمائتي سنة.
ثم يأتي السيوطي ويؤلف كتاب "الاقتراح" الذي كان الناس يعدونه الكتاب الفريد في "أصول النحو"، حتى نشرنا كتاب ابن الأنباري ونبهنا على أنه هو الأصل الذي استقى منه السيوطي في "الاقتراح" و"المزهر" وغيرهما, ولم يشر إلا إشارة خفية إلى مصدره الأصلي محاولا حجبه عن الأنظار١.
وسترى أسلوب ابن الأنباري في فصل من هذا الكتاب بعد قليل.
٣- فن "الخلاف" بين المذاهب النحوية كانت مسائله مبعثرة، بل كانت متعلقات المسألة الواحدة مشتتة في كتب البصريين والكوفيين، وألف غير واحد في الخلاف، لكن أكثر هذه الكتب ردود جزئية، وأول من بدأ بذلك ثعلب