للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفارابي بعد قوله المتقدم آنفا على صناعة هؤلاء الأعراب وصفاتهم فقال: "كانت صنائع هؤلاء التي بها يعيشون الرعاية والصيد واللصوصية، وكانوا أقواهم نفوسا وأقساهم قلوبا وأشدهم توحشا وأمنعهم جانبا وأشدهم حمية وأحبهم لأن يَغلبوا ولا يُغلبوا، وأعسرهم انقيادا للملوك, وأجفاهم أخلاقا وأقلهم احتمالا للضيم والذلة"١.

وتستطيع أن تجعل مرد الأمر كله -بعد ما تقدم لك- إلى الوثوق من سلامة لغة المحتج به وعدم تطرق الفساد إليها، وهذا هو الضابط في التصنيف الزماني والمكاني اللذين مرا بك، فأنت تعلم إسقاط العلماء الاحتجاج بشعر أمية بن أبي الصلت وعدي بن زيد العبادي٢, وحتى الأعشى عند بعضهم؛ لمخالطتهم الأجانب وتأثر لغتهم بهذه المخالطة، حتى حمل شعرهم عددا غير قليل من ألفاظ ومصطلحات لا تعرفها العرب، وكل


١ الاقتراح ص٢٤.
٢ إسقاط الاحتجاج في اللغة لا يؤثر في الشاعرية؛ وعلى هذا ينبغي أن يفهم إنكار القاضي الجرجاني زعم الأصمعي:
"زعم الأصمعي أن العرب لا تروي شعر أبي دؤاد وعدي بن زيد؛ لأن ألفاظهما ليست بنجدية"، وكيف يكون ذلك وهذا معاوية يفضل عديا على جماعة الشعراء, وهذا الحطيئة يسأل: من أشعر الناس؟ فيقول: الذي يقول -وأنشد لأبي دؤاد:
لا أعد الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد ززئته الإقتار
... إلخ الأبيات.
الوساطة ص ٤٩.
هذا ومن العلماء من لا يحتج بغير الجاهليين, وقد قال الأصمعي: "جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشر حجج ما سمعته يحتج ببيت إسلامي".

<<  <   >  >>