"علة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل، ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. وكذلك أيضا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها، لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها، وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا؛ لأنا لا نكاد نرى بدويا فصيحا، وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك, ويقدح فيه.."١.
١ الخصائص ٢/ ٥, ثم ذكر ابن جني أدلة على فساد سليقة الأعراب في زمنه فقال: "وقد كان طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة الحضرية، فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له، وميزناه تمييزا حسن في النفوس موقعه, إلى أن أنشدني يوما شعرا لنفسه يقول في بعض قوافيه: "أشأؤها, وأدأؤها" "بوزن أشععها وأدععها" فجمع بين الهمزتين كما ترى. واستأنف من ذلك ما لا أصل له، ولا قياس يسوغه، نعم وأبدل إلى الهمز حرفا لاحظ له في الهمز، بضد ما يجب؛ لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما. فكيف أن يقلب إلى الهمز قلبا ساذجا عن غير صنعة ما لا حظ له في الهمز، ثم يحقق الهمزتين جميعا! هذا ما لا يبيحه قياس ولا ورد بمثله سماع ... إلخ.