للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ووقائع تذكر بالفخر تارة, وبالوجيعة تارة أخرى١.

فهذا ما ولدت العصبية والتنافس بين وفود الفريقين ورجالاتهم في الأسمار ومجالس الأمراء.

ولئن كانت أحداث سياسية خاصة هي المفرقة قديما، فإنها تطورت مع الزمن وتحول اتجاهها، حتى تبلورت في عصبية للبلد٢ وثبتت عليه كما نجد أنماطا من ذلك في مثل كتاب البلدان للهمداني، بل إن بعضهم كان يؤلف في مفاخر بلده كما فعل الهيثم بن عدي الكوفي "٢٠٩", فألف كتابه "فخر أهل الكوفة على أهل البصرة" ٣.


١ انظر أخبارها في معجم البلدان لياقوت، وفي كتاب البلدان للهمداني, ففيهما طرائف، وانظر على سبيل التمثيل أبيات أعشى همدان ينتصر للكوفة على البصرة:
اكسع البصري إن لاقيته ... إنما يكسع من قل وذل
واجعل الكوفي في الخيل ولا ... تجعل البصري إلا في النفل
وإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما صنعنا بكم يوم الجمل
بين شيخ خاضب عثنونه ... وفتى أبيض وضاح رفل
جاءنا يخطر في سابغة ... فذبحناه ضحى ذبح الجمل
وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة الله الأجلّ
كسعه: ضربه بصدر قدمه على مؤخره, الرفل: المتبختر الكثير اللحم, السابغة: الدرع الطويلة. وانظر في ذلك كتابنا "عائشة والسياسة".
٢ قال الجاحظ في كتاب "البلدان" وقد ذكر فضل البصرة ورجالها: وفينا اليوم ثلاثة رجال لغويون ليس في الأرض مثلهم، ولا يدرك مثلهم -يعني في الاعتلال والاحتجاج والتقريب- أبو عثمان المازني, والثاني العباس بن الفرج الرياشي، والثالث أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الزيادي, وهؤلاء لا يصاب مثلهم في شيء من الأمصار".
وكتب كتابه هذا في شهر ربيع الأول سنة ٢٤٨هـ, من إنباه الرواة ١/ ٢٤٨.
٣ إرشاد الأريب ١٩/ ٣١٠.

<<  <   >  >>