للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المدافعة عن أسباب العيش أولا وقبل كل شيء, ثم العصبية للبلد لا للسياسة "عاملا ثانويا" هما اللذان لوّنا الخلاف النحوي ولم يوجداه، لوناه بشيء من العنف. رأيت أنماطا منه في المناظرات التي مرت بك؛ وفي مثل قول اليزيدي يمدح نحويي البصرة ويهجو الكسائي وأصحابه:

يا طالب النحو ألا فابكه ... بعد أبي عمرو وحماد

وابن أبي إسحاق في علمه ... والزين في المشهد والنادي

عيسى وأشباه لعيسى، وهل ... يأتي لهم دهر بأنداد

هيهات، إلا قائلا عنهم ... أرسوا له الأصل بأوتاد

فهو لمنهاجهم سالك ... لفضلهم ليس بجحاد

ويونس النحوي لا تنسه ... ولا خليلا حية الوادي

وقل لمن يطلب علما: ألا ... ناد بأعلى شرف ناد

يا ضيعة النحو به مغرب ... عنقاء أودت ذات إصعاد

أفسده قوم وأزروا به ... من بين أغتام وأوغاد

ذوي مراء وذوي لكنة ... لئام آباء وأجداد

لهم قياس أحدثوه همُ ... قياس سوء غير منقاد

فهم من النحو -ولو عمروا ... أعمار عاد- في أبي جاد

أما الكسائي فذاك امرؤ ... في النحو حار غير مرتاد

وهو لمن يأتيه جهلا به ... مثل سراب البيد للصادي١

وهجا المبرد البصري ثعلبا الكوفي بقوله:


١ أخبار النحويين البصريين ص٤, رجل أغتم من قوم أغتام: لا يفصح. الحار: الحائر.
"أبي جاد: أبجد، هوز ... إلخ" يريد أنهم لا يتجاوزون أول العلم؛ لضعف استعدادهم كما أن الصبي في الكتاب أول ما يتعلمه حروف "أبجد هوز".

<<  <   >  >>