فقال لابن الكلبي: من قرأ "ألا إنهم تثنوْني صدورهم"؟ ١.
فقال:"أعزك الله, هذا يحسنه أبو حاتم".
فقال لأبي حاتم:"كيف تكتب كتابا إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة, وما جرى عليهم العام في ثمارهم؟ " فقلت له: "أعزك الله، لست صاحب بلاغة وكتب، إنما أنسب إلى علم القرآن".
فقال:"انظر إليهم, قد أفنى كل واحد منهم ستين سنة في فن واحد من العلم, حتى لو سُئل عن غيره لساوى فيه الجهال؛ لكن عالمنا بالكوفة لو سُئل عن هذا كله أصاب" يعني الكسائي ا. هـ. المصون للعسكري ص١٣٢.
أثرت العصبية ما رأيت فيما كان بينهم، أما النحو نفسه فلم يتأثر بشيء من ذلك، وإنما حمل طابع العلماء أنفسهم في التفكير والتنسيق سعة وضيقا ونظاما وبلبلة.
ولما تقدم الزمن، واستوى عند الحكام نحويو البصرة ونحويو الكوفة، غاب السبب الأول، وبقيت العصبية للبلد تخالط بعض النفوس حتى صرت ترى العالم الذي ينبغي أن يتنزه عن العصبية في العلم -ولو بعد ذهاب أسبابها المادية على الأقل- تداعبه هذه النزعة، فيجمع بين شيئين متنافرين لا لسبب إلا أنهما نبتا في بلد يعزه. وأنا أقدم لك نموذجا لهذه الظاهرة:
١ سورة هود الآية ٥. وهذه هي قراءة ابن عباس وعلي بن الحسين وولديه زيد ومحمد، ومجاهد وابن يعمر، ونصر بن عاصم، والجحدري، وابن أبي إسحاق, وغيرهم. والكلمة مضارع اثنونى على وزن "افعوعل"، وقراءة الأمصار اليوم: {يَثْنُونَ} .