يتضح مما قدمنا من حياة العقاد أن عناصر كثيرة تُسهم في تكوين شعره وشخصيته الأدبية، فهو مصري، يستشعر أمجاد المصريين في ضميره وقلبه، وهو عربي، وقد توفر على قراءة الأمهات العربية في النثر والشعر والفلسفة والتصوف، وهو غربي التفكير، تزوَّد من آداب الغرب بكل ما استطاع من غذاء عقلي، فهو مع إيغاله في قراءة الأدب الإنجليزي يتوغل في قراءة الآداب الغربية المختلفة عن طريق اللغة الإنجليزية التي يتقنها، كما يتوغل في قراءة الآثار النقدية.
وعرفنا أنه لم يكمل دراسته العالية؛ ولكنه عوضها بأستاذ صارم من نفسه، دفعه إلى تعهد عقله بالقراءة والتثقيف وشحذ مواهبه بالإدمان الطويل على النظر في آثار الشعراء المختلفين. ونراه في مطالع شبابه يقود مع شكري والمازني معارك التجديد في شعرنا. ومن الغريب أنهما خرجا من الميدان مع الحرب العالمية الأولى، أما هو فثبت فيه إلى اليوم، وكأنه يقوم عنده على دعائم ثابتة، وليست هذه الدعائم إلا روحه القوية التي تؤمن دائمًا بمثل أعلى، ثم تسعى إلى تحقيقه في جهاد متواصل لا يعرف التواني ولا الفتور.
ونحن نلقاه في ديوانه الأول المؤلف من أربعة أجزاء كما نلقاه في ديوانه الأخير "بعد الأعاصير" بنفس الشخصية. ومن يطلع على ديوانه الأول يستطيع أن يلاحظ فيه قصيدة نونية نظمها على نمط قصيدة لابن الرومي وأخرى نظمها خمرية على نمط ابن الفارض؛ ولكن النمط الأول هو الذي كان يتفق مع روح جماعته الأدبية المتشائمة. ولعل ذلك ما جعله يخص ابن الرومي بكتاب، فقد شُغف به منذ فجر حياته الشعرية؛ لأنه وجد عنده نفس الأنغام التي كانت تعجب بها مدرسته، أنغام الحزن والشكوى من الدهر والناس.
وليس معنى ذلك أن العقاد كان يُعْنَى بمعارضة ابن الرومي والصب في قوالبه