على مثال ما عُنِيَ شوقي بمعارضة البحتري مثلًا. فالعقاد يستقل في شعره وقوالبه عن ابن الرومي وغيره على نحو ما يستقل خليل مطران عن شعراء العرب، فهو مثله يستوعب الصياغة القديمة؛ ولكنه لا يفنى فيها ولا يتحول إلى قوالبها يصب فيها أو يسكب ما في نفسه، فحسبه أن يتمثلها، ثم تصبح ملكًا له يستخدمها كما تشاء ملكته الفنية دون أن يظهر عنده اتباع أو تقليد واضح إلا في القليل النادر.
وهو من هذه الناحية يُعْنَى بأسلوبه عناية واسعة، وهي عناية تقوم على الجزالة والمتانة واستخدام اللفظ الفصيح؛ بل لا بأس أحيانًا من استخدام اللفظ الغريب، ولعل ذلك ما جعله يكثر في هوامش ديوانه الأول من شرح الكلمات؛ ولكنها غرابة في حدود ضيقة؛ إذ يغلب على أساليبه الوضوح، كما تغلب عليها المرونة. ويدخل في هذا الاتجاه محافظته على الأوزان العروضية القديمة، فهو ليس ممن يرون التجديد في الأوزان ولا ممن ينزعون إلى استخدام الموشحات الأندلسية وإن كان يستخدم الشعر الدوري كثيرًا؛ لكنه على كل حال شكل قديم. وكأنما كان يرى التجديد في المعاني دون الألفاظ والعروض، وهذا ما يجعل لشعره الجديد إطاره المستقل، وهو إطار لا يخرج على الأوضاع القديمة؛ بل يستغلها ويوسع في جنباتها لتحتمل تجربته الحديثة.
ومن غير شك هو من هذا الجانب يختلف عن شكري الذي حاول التحلل أحيانًا من القوافي القديمة، كما حاول التحلل أحيانًا من اللغة الجزلة الفصيحة. وهو يختلف عنه من ناحية ثانية، فإنه لا يبلغ مبلغه من البؤس والتشاؤم والحزن العميق؛ بل تتألق أمام عينيه في ظلمات يأسه الآمال، فهو حزين، ولكنه طامح، وهو طموح ينتهي عنده إلى تمرد على الحياة، وسخرية مرة بها وبالناس، بل هو طموح ينتهي عنده في كثير من الأحوال إلى فرح بالحياة وما فيها من متع ونعيم.
ومن أهم ما يميزه استيعابه للفكر الغربي، وهو يعلنه منذ ديوانه الأول ولا يخفيه، فقصيدته الرابعة فيه معربة عن شكسبير وعنوانها "فينوس على جثة أدونيس"، ونمضي في الديوان فنجده يترجم له قطعة من مسرحية "روميو وجولييت"، كما نجده يترجم قطعة عن الشاعر الإنجليزي كوبر بعنوان "الوردة"، ويترجم عن بوب قطعة بعنوان "القدر".