هيِّنة ليس فيها مشقة في التثقيف والتحصيل، وكأنه لم يكن ينزع به في أول حياته أمل كبير.
وكان أهله على شيء من الثراء، فلم يحس بشظف الحياة وما يكون فيها من حرمان وشقاء؛ بل لكأني به دُلِّل طفلًا، وظلت آثار هذا الدلال فيه رجلًا، فهو لا يعرف من الحياة إلا الهناءة والرغد.
ومكث طويلًا في وظيفته وفي بلدته يتنقل في محيطها وفي البلاد المجاورة لها وخاصة دمياط؛ فقد كان كثير النزول بها وببلدة "السنانية" التي تقابلها، وهي بستان كبير يمتد إلى مصيف رأس البر، وتقابلها على الضفة اليمنى للنيل بحيرة المنزلة. وكل هذه الأماكن مصورة في ديوانه الأول "الملاح التائه". وقد أخذ يسعى للتعرف على الأدب الفرنسي والاطلاع على روائعه وآثاره، ونراه يراسل مجلتي أبولو والرسالة. ويحاول أن يتصل بالنهضة الأدبية في القاهرة منذ سنة ١٩٣٣، فترحِّب به دوائر الأدباء.
وفي ديوان "ليالي الملاح التائه" ما يدل على أنه زار إيطاليا في سنة ١٩٣٨، وأخذ منذ هذا التاريخ يتردد على سويسرا والنمسا وأواسط أوربا، وكان لذلك أثره في شعره؛ إذ وصف كثيرًا من المشاهد التي رآها هناك.
ويترك وظيفته في وزارة الأشغال ليعمل مدير الْمَعْرِض الخاص بوزارة التجارة، ثم يعين مديرًا لمكتب الوزير، ثم يلحق بسكرتارية مجلس النواب، ويقيم في هذه الفترة بالقاهرة، ويغرق إلى أذنه في مباهج الحياة. ويكثر من الرحلات الصيفية إلى أوربا. ويخرج مع استقالة الوزارة الوفدية من الحكومة. ويعين في سنة ١٩٤٩ وكيلًا لدار الكتب ولكن القدر لم يمهله، فلبى نداء ربه في نفس العام مبكيًّا عليه من أصدقائه وعارفيه؛ إذ كانت فيه نواحٍ إنسانية تستحق التقدير، وطالما أعان إخوانه وزملاءه من الأدباء، وكان بيته منتدًى حقيقيًّا لصحبه، وحوَّله إلى ما يشبه متحفًا فنيًّا؛ إذ ملأه باللوحات الباهرة. ومما يؤثر له أنه أهدى مكتبته قبل وفاته إلى مكتبة بلدته "المنصورة"، ولعل في هذا ما يدل على ضرب من الوفاء لقديمه وذكرياته.