يتبين مما قدمناه من حياة علي محمود طه أنه نشأ في إحدى بلدان الوادي الجميلة، وتيقظت مواهبه الشعرية في وقت مبكر، إلا أنها لم تتغذَّ تغذية كاملة بأصول الشعر العربي، وأكبر الظن أن قراءاته في هذا الشعر لم تكن تتجاوز دواوين حافظ وشوقي ومطران إلا في القليل النادر، فقد كان يقرأ أحيانًا في البحتري وغيره من شعراء العصر العباسي.
وقراءاته في الآداب الغربية لم تكن واسعة؛ إذ لم تتح له ثقافة عالية، ومع ذلك تعلم بنفسه اللغة الفرنسية، إلا أنه لم يتقنها؛ إنما كان يتقن الإنجليزية، وهو على كل حال لم يكن واسع الثقافة بآثار الغربيين، وإن كان قد حاول أن يتأثرهم. وكان أهم من أعجب به "لامرتين" وأضرابه من شعراء الرومانسية. وقرأ أو عرف أشياء مختلفة عن أصحاب الرمزية الفرنسية مثل:"بودلير" و"فرلين".
ومن هذا كله تتكوَّن شخصيته الأدبية، وهي شخصية ترجع في جوهرها إلى ملكاته أكثر مما ترجع إلى قراءاته، وكان يقرأ كثيرًا في أدباء شعراء المهاجر، وهم يتأثرون تأثرًا عميقًا بالنزعة الرومانسية الغربية، كما كان يقرأ كثيرًا في مجلة أبولو وما بها من أبحاث أدبية.
ومع هذه القراءات غير المتعمقة هنا وهناك لم تنكسر نفسه؛ إذ كان يؤمن بشخصيته وأتاح له هذا الإيمان أن يحتل مكانة بارزة في صفوف الشعراء الذين عاصروه؛ إذ استطاع أن يكوِّن لنفسه أسلوبًا شعريًّا براقًا.
وهو من هذه الناحية أكثر شعرائنا بعد شوقي توفيقًا في صياغته الشعرية، وكأنما كانت لديه خبرة تمكِّنه من أن يقتنص الكلمات الشعرية في القصيدة التي يصنعها، فإذا هي كعقد من الجواهر تتألق فيه حَبَّاته. ويظهر أنه عرف عن شعراء الرمزية