للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الأيام الأخيرة من حياته يدعو إلى مبادئه في إخلاص وحرارة، غير أنه كان يتطرف في دعوته، وخاصة من حيث اللغة؛ إذ يرى -كما نراه الآن في نقده للرافعي- أن ننبذ الإطار القديم جملة، وأن نتخفف في لغتنا، ولا بأس من أن نجعلها أقرب إلى عاميتنا التي نعبر بها في حياتنا اليومية.

وكان يقف وحده في هذا الاتجاه، فإن أدباءنا المجددين من أمثال: طه حسين وهيكل والعقاد والمازني، وكانوا يرون أن يظلوا مع الأسلوب الفصيح الرصين الجزل؛ حتى يكون لأدبهم موقع حسن في الأسماع والقلوب، فهم يحرصون على الإعراب وعلى الألفاظ الصحيحة التي تقرها المعاجم، وهم في داخل هذا الإطار يجددون تجديدًا لا يخرج بهم عن أصول العربية، وإنما يُغنيها ويُنمِّيها بما يضيفون من نماذج جديدة وفكر جديد.

وهذا الاتجاه هو الذي ثبت واستقر في حياتنا الأدبية الحديثة، وهو اتجاه يقوم على التحول والتطور بلغتنا وأدبنا على نحو ما تحولت وتطورت الآداب الأوربية، فهي لم تقع صلتها بالقديم، وفي الوقت نفسه لم تقف عنده؛ بل جددت نفسها وتطورت من جيل إلى جيل.

وإذا كان سلامة موسى يتطرف في التجديد حتى يريد أن يقطع صلتنا بالقديم؛ فقد كان الرافعي يقف له بالمرصاد، وقد رد عليه في صحيفة "الهلال" ردًّا مفحمًا غير أنه أقحم الدين في كلامه، ولم يكن الدين متصلًا بموضوع الخصومة؛ ولكنه أراد أن يجعل قضية التجديد قضية دينية حتى يكسب في صفه أناسًا كثيرين. وقال: إن التجديد إن كان في الأفكار والمعاني فهو لا يدفعه، أما إن كان في اللغة فإنه ينكره إنكارًا شديدًا.

وتدخَّل في هذه المعركة طه حسين، فأيد سلامة موسى في التجديد من الناحية العامة، ورد على الرافعي قوله بأن المجددين يمسون أو يفكرون أن يمسوا بتجديدهم اللغة، فهو وكثير غيره من المجددين يكتبون بأسلوب عربي فصيح مستقيم. وكان الرافعي قد تعرض في مقاله للحضارة الغربية وهاجمها، فرد هجومه طه حسين، وقال: إن هذه الحضارة غنية.

<<  <   >  >>