الكاتب، وتتحول المسألة من أبي نواس إلى القديم كله والقدماء وما يقولون، فهل نقبل كل ما يقولون أو نعرض ما يقولونه على الامتحان؟ ويذهب طه حسين إلى أن الأحكام التاريخية في الأدب أحكام إضافية، فإذا قال لنا القدماء قولًا في شاعر أو خليفة ينبغي أن نأخذه على أنه رأي ومن حقنا أن نغيره؛ لأنه ليس رأيًا مقدسًا، ولأنه ينبغي ألا نلغي عقلنا، وطبائع الأشياء -كما يقول- تؤيد أن يكون عقل المحدثين أرقى من عقول القدماء، ومن الجائز أن يتورطوا في الخطأ، فلا بد أن نناقش أقوالهم، ولا بد أن نخضعها للبحث والنقد.
وفي أثناء ذلك يكتب سلامة موسى في "الهلال" مقالًا عن مصطفى صادق الرافعي، ويجعله ممثلًا للقديم، ويهاجمه هجومًا عنيفًا، وقد بنى هجومه على أنه يحسن الصنعة ولا يحسن الفن؛ أي: أنه يحسن التعبير ولا يحسن تصور المثل الأعلى في الأدب. والحق أنه كان يحسنهما جميعًا على نحو ما سنرى في ترجمته، وقد استطرد سلامة موسى في مقاله يهاجم القديم جملة، فالأدب العربي السابق كله لا يصلح لحياتنا، وكذلك أسلوبه الموشى بالسجع وغير السجع؛ لسبب بسيط؛ وهو الرقي العلمي الحديث!
فمن رأيه أن الحياة العلمية والمادية قد تغيرت، وهذا يقتضي تغير الشعور والعواطف وتغير التعبير عنهما، وبالتالي تغير الأدب. وفي هذا الرأي مبالغة؛ لأن رقي العلم والحياة المادية لا يغيران مشاعرنا وعواطفنا تغييرًا تامًّا، وهذا ما يجعل الأدب خالدًا، فنحن نقرأ اليوم ما نظمه هوميروس في اليونانية وفرجيل في اللاتينية، وامرؤ القيس في العربية، ونتأثر بكل الأدب القديم، ونجد فيه متاعًا وغذاء لعقولنا وأرواحنا.
ولكن سلامة موسى يتميز في هذه الدورة من أدبنا بعد الحرب الأولى بأنه كان ثائرًا ثورة عنيفة، فهو يدعو بقوة إلى الانغمار في التيار الأوربي بكل ما فيه من علم وأدب ونظم سياسية. وله في ذلك مقالات وكتب كثيرة، وقد أخرج صحيفة هي "المجلة الجديدة" ينشر فيها تعالميه بين الشباب، وقلما ظهر مذهب أوربي في علم أو غير علم إلا نادى به وتقدم الصفوف يدعو إليه دعوة حارة. وقد ظل