سنة ١٨٨٩، ودل في هذه المرحلة على نبوغ في الدرس، وخاصة درس اللغة العربية. وأقبل على قراءة الكتب المترجمة، وكان مما أعجب به كتاب "أصل الإنسان" لداروين؛ إذ ترجمه شبلي شميل في هذا التاريخ.
وعقب إنهائه لمرحلة التعليم الثانوي التحق بمدرسة الحقوق، وكان من مدرسيها حفني ناصف، وحسونة النواوي الذي تولى بعد ذلك مشيخة الأزهر، وكان يعجب بتلميذه الحقوقي، فكان يدعوه إلى منزله، وما لبث أن اصطفاه ليقرأ له درس الفقه الذي كان يلقيه بالأزهر في الصباح الباكر. وفتح له ذلك بابًا كان مغلقًا أمام أقرانه، وهو باب التزود بالدراسات الدينية. وتصادف أن اشترك محمد عبده في لجنة امتحان العلوم العربية بالحقوق، فلفتته كتابة التلميذ الناضج وهنأه بما كتب.
وكان لذلك أثره في نفس التلميذ، فإنه عُني مع طائفة من رفقائه بإخراج مجلة "التشريع"، وأحس أن فيه مواهب صحفية، فكتب في صحيفة المؤيد، واشتغل فترة في القسم الخاص بنقل رسائل البرق الأجنبية. وسافر وهو لا يزال بالحقوق إلى إستانبول فوجد هناك علي يوسف صاحب صحيفة المؤيد وسعد زغلول، فعرَّفاه بجمال الدين الأفغاني، وكان ينزل حينئذ هناك، فلازمه فترة ونفخ فيه من روحه ودعوته إلى الحرية ونهوض الأمم الإسلامية ضد الاستعمار والمستعمرين.
وأتم دراسته في "الحقوق" سنة ١٨٩٤ وعُيِّن في سلك النيابة، غير أن تعيينه لم يصرفه عن التفكير في شئون بلده السياسية، فألف مع جماعة من زملائه القانونيين جمعية سرية غرضها تحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي. وعرفه مصطفى كامل، فعرض عليه في سنة ١٨٩٧ أن يؤلف معه ومع محمد فريد وطائفة من أصدقائهما الحزب الوطني، فلبى دعوته، واتفق معه مصطفى أن يعتزل الحكومة ويذهب إلى سويسرا، فيمكث بها سنة لينال حق الجنسية السويسرية، ثم يعود إلى مصر فيحرر صحيفة تقاوم الاحتلال البريطاني، فلا تستطيع بريطانيا أن تحول بينه وبين ما يريد بحكم جنسيته الأجنبية. وصدع