لمشيئته، فسافر إلى سويسرا، وتصادف أن سافر إليها أيضًا قاسم أمين ومحمد عبده وسعد زغلول، وأخذ يختلف مع ثانيهما إلى ما يلقي من محاضرات في جامعة جنيف، وكان قاسم أمين يؤلف حينئذ كتابه "تحرير المرأة"، فكان يقرأ منه فصولًا عليهم.
ورجع لطفي إلى مصر فوجد الخديو عباسًا غاضبًا لاتصاله بمحمد عبده، وكان الخديو ناقمًا عليه. ولم ينشئ الجريدة التي أشار بها مصطفى كامل؛ لأنه وقر في نفسه أن سياسته التي كان يمليها عليه الخديو ليست هي السياسة التي تنقذ مصر؛ إذ كان مصطفى ينادي بالجامعة الإسلامية في ظل تركيا، ولم يكن غرض مصطفى أن تعود مصر حقًّا إلى تركيا؛ ولكنه كان يظن أن هذه الدعوة تساعد مصر في التخلص من نير الاحتلال.
ونرى لطفي ينتظم في سلك النيابة ثانية، حتى إذا كانت سنة ١٩٠٥ تركها مستقيلًا منها لخلاف بينه وبين النائب العمومي واشتغل بالمحاماة. ولم يلبث أن أخرج صحيفة "الجريدة" سنة ١٩٠٧، وألف مع طائفة من نابهي المصريين حزب الأمة، واختير سكرتيرًا له، واختير محمود سليمان رئيسًا وحسن عبد الرزاق وكيلًا. وكان برنامج هذا الحزب المطالبة بالاستقلال التام وبالدستور وتوسيع اختصاص مجلس شورى القوانين ومجالس المديريات.
وانضم إلى هذا الحزب كثيرون من أعيان البلاد المصرية المختلفة، وأهم من ذلك أنه انضم إليه أكثر المفكرين المصريين الذين كانوا يلتفون حول الشيخ محمد عبده والذين يرجع إليهم أكثر الفضل في وضع أسس نهضتنا المباركة من أمثال: قاسم أمين وفتحي زغلول وعبد العزيز فهمي وعبد الخالق ثروت. وكان هؤلاء المفكرون يؤلفون في أول هذا القرن طبقة ممتازة تشعر بآلام الشعب وآماله، وتصور لنفسها -بفضل ثقافتها الواسعة بآداب الغرب- مُثله العليا غير المحدودة في الحرية والاستقلال والحكم العادل الرشيد، وهي نفسها الطبقة التي عملت على إقامة الجامعة المصرية الأهلية وفتح أبوابها للطلاب منذ سنة ١٩٠٨. غير أنه يلاحظ على هذه الطبقة أنها لم تكن ثائرة ثورة مصطفى كامل على الإنجليز،