توسيع جنباته؛ بحيث تسمح بإدخال الأفكار الغربية التي لم يكن يعرفها هذا النثر من قبل. واتخذ المقالة الصحفية طريقه إلى ذلك، وحَمَّلها كل ما أراد من فكر جديد، ومن سخرية مُرة تارة، ومن ظرف وخفة روح تارة أخرى.
وهو في الحق أحد كتابنا الممتازين الذين استطاعوا أن يحدثوا لنا أدبًا مصريًّا جديدًا، وهو أدب مليء بالفكر والشعور والسخرية الحادة. وليس هذا كل ما يميزه، فإنه يتميز أيضًا بأسلوب خاص كان لا يتحرج فيه من استخدام بعض كلماتنا العامية، ما دامت توجد في العربية الفصيحة، وبذلك كان له أسلوبه الشخصي الذي ينفرد به بين معاصريه، لا بخصائصه اللفظية فحسب؛ بل أيضًا بخصائصه المعنوية وما فيه من سخرية وفكاهة مستملحة.
ولعل من الطريف أنه كان من السابقين إلى الإيمان بفكرة جامعة الدول العربية، فقد كتب في سنة ١٩٣٥ مقالًا تحت عنوان "القومية العربية"، دعا فيه إلى جمع كلمة العرب وأن تنتظمهم هيئة سياسية واحدة تؤلف بينهم ضد الاستعمار والمستعمرين، ومن قوله في هذا المقال:
"لقد أحطنا قوميتنا بمثل سور الصين، ولو أن هذه القومية العربية لم تكن إلا وهما لا سند له من حقائق الحياة والتاريخ لوجب أن نخلقها خلقًا، فما للأمم الصغيرة أمل في حياة مأمونة ... وإن أية دولة تتاح لها الفرصة تستطيع أن تثب عليهم وتأكلهم أكلًا بلحمهم وعظمهم؛ ولكن مليون فلسطين إذا أضيف إليه مليونا الشام وملايين مصر والعراق مثلًا يصبحون شيئًا له بأس يُتَّقَى".
وهو لا يبارَى في مقالاته التي يصف فيها مشاعره وخوالجه؛ إذ كان مرهف الإحساس، وكان إذا تعمق التأثر نفسه فاضت عليه خواطره، وكأنها تفيض من نبع لا ينضب. ومن خير ما دبجته يراعته من ذلك ما جاء بكتابه "في الطريق" من حديثه عن ابنته الصغيرة التي اختطفها القدر من بين يديه