وطبيعتها وجمالها مركزًا، وهما سوداوان غير أنه سواد فيه من العمق أكثر مما فيه من الالتماع، تحدق فيه تحديقك في بئر، ولا ترنو إليه كما ترنو إلى رسم".
وهي صورة حية تامة الملامح الجسدية والقسمات النفسية، ويسترسل في بيان ذلك، فيقول:
"ومن الفتيات مَن لا يفطن المرء إليها على فرط حسنها لأول وهلة؛ ولكن صاحبتنا هذه كانت من قوة الجذب؛ بحيث لا يسعك إلا أن تحس وجودها وتشعر بما تفيضه حولها، ولا تكاد تجلس إليها خمس دقائق حتى تلم بما فُطرت عليه من جرأة الجنان الذي لا يدري أن في الدنيا ما يُتَّقَى، ومن حرارة النفس الغريرة التي لم يصدمها من التجاريب ما يطفئها، ومن خفة الروح التي لا يثقلها إلحاح اللحم. ويعرف من يعرفها أن لها أحيانًا تبدو فيها كالظمأى إلى مجهول، أو كالتي تعتلج في صدرها خواطر وإحساسات هي أغمض من أن تتولى الكشف عنها عبارة أو أوجع من أن ترفه عنها دمعة. ولم تكن كذلك الآن في هذه الفترة التي زخرت فيها تيارات حياتها والتي نخصها بالذكر! ".
وواضح أن المازني يحاول منذ السطور الأولى من قصته أن يحلل الصفات النفسية للأشخاص وما يرتبط بها من تعبيرات الجسد، وهو يعمد إلى التفصيل في ذلك مستطردًا إلى تعليقات ومقابلات من شأنها أن تضعف الحركة في قصته.
وفي القصة حوار مرن شفاف في مواضع مختلفة، وهو ينتهز الفرصة فيه كثيرًا ليضيف تحليلاته النفسية. وأنت لا تشتعر بملل في قراءته لسببين؛ هما: غِنَى خواطره وخوالجه، ومسحه على هذه الخواطر بظرفه وفكاهته. ويأخذ عنده الحوار هذا الشكل الخفيف الذي يصادفنا في أول القصة.
"قالت شوشو لقريبها بعد أن أصاب حظًّا من الراحة: تعالَ بنا إلى بهو السلم؛ فإن الجو بديع في هذه الليلة.
- ولكن السلم يؤدي إلى "الغيط" مباشرة بلا حاجز ... والكلاب.
- آه. الكلاب، أتخافها؟ إنها لن تؤذيك.. تعالَ، تعالَ.. أيصح أن تكون أضعف مني قلبًا؟ فمضيا إلى البهو، وجلسا، ثم شرعت فتاتنا تنادي: