وما فيه من نظم اجتماعية غير متسقة، وخاصة من حيث الزواج، وأن المرأة ليس لها رأي في اختيار زوجها وشريك حياتها. ونشعر هنا بترديد المؤلف لآراء قاسم أمين ودعوته إلى تحرير المرأة.
ومن غير شك تأثر هيكل في وضع هذه القصة بما قرأه من القصص الفرنسي، ويتبين ذلك في تصويره زينب، فقد جعلها رقيقة أكثر مما ينبغي لفتاة ريفية ساذجة، واختار لها وسيلة تتخلص بها من آلام حبها هي مرض السل، طبقًا لنموذج بعض القصص الفرنسية التي قرأها، والتي تتخذ هذه الوسيلة لتخليص العاشقات المعذبات، وتحريرهن من عذابهن وآلامهن.
ولم يفسح هيكل لنفسه في تصوير الشخصيات الجانبية وطبائعها، الجانبية وطبائعها، وربما كان ذلك راجعًا إلى أنه كان لا يزال في مقتبل عمره، ولم تتسع خبرته بالحياة وتجاربها العميقة. ولكن إن كان فاته ذلك فإنه عوَّضه بأوصافه الغنية للطبيعة الريفية في مصر، وفي الحق أنه نجح إلى أبعد حد في وصف حياة القرية المصرية، وكثير من صفحات قصته يتحول إلى ما يشبه لوحات بديعة، كهذه اللوحة التي عرض فيها صراع حامد النفسي إزاء بَوْحِه لابنة عمه بحبه، وهي تجري على هذا النسق:
"انساب المسكين بين المزارع ينهبها نهبًا، حتى جاء إلى شط الترعة، وهناك أخذ مقعده في ظل توتة "شجرة" كبيرة، وجلس كأن به مسًّا من الجن يسأل نفسه: هل في المستطاع إخراج تلك الفتاة من بين هؤلاء المحيطين بها، ليجلس إليها جنبًا لجنب، ولتحدثه وليمضها إليه، ولتكون ملكه؟ ومكث بقية النهار في حساباته هذه، ثم قضى كل ليلته لا ينام إلا غرارًا، وما كادت تهتك يد الصبح ستار الليل حتى نبا به مضجعه، وصاحبه القلق، فانحدر إلى الجامع، وما عهده به في تلك الساعة التي عرفها ساعة هجود وهمود، وانساب وسط ظلمات يتسلل فيها النور كما يتسلل الأمل إلى قلب اليائس، والسماء لم تميَّز بعد، قد بهت عليها حجاب الليل الهزيم والنجوم تتقلص واحدة بعد الأخرى، والسكوت الأخرس يخيم على الوجود فلا تسمع هسيسًا، إلا أن يقطعه