والتحق بجامعتها يدرس العلوم التاريخية وظل فيها نحو عام، عاد في نهايته إلى مصر لسوء حالة الجامعة المالية. وسرعان ما تحسنت ظروف الجامعة، فرجع بعد ثلاثة أشهر ولكن لا إلى مونبلييه، وإنما إلى باريس. وهناك أخذ يختلف إلى محاضرات المؤرخين والأدباء في السوربون والكوليج دي فرانس، تارة يستمع إلى محاضرات في التاريخ اليوناني والروماني القديم، وتارة ثانية يستمع إلى محاضرات في الفلسفة وعلم النفس، وتارة ثالثة يستمع إلى محاضرات بعض المستشرقين. ويتعلم في أثناء ذلك اليونانية واللاتينية، تعاونه فتاة فرنسية كريمة تعرَّف عليها في أثناء الدرس، وهي التي اختارها فيما بعد شريكة لحياته؛ إذ وجد عندها كل ما كان يفقده، وقد وصفها فقال: إنها بدلته من البؤس نعيمًا، ومن اليأس أملًا، ومن الفقر غنًى، ومن الشقاء سعادة وصفوًا.
وكان أهم ما شُغف به من دراسات في السوربون المشاكل الفلسفية والاجتماعية، وانتهى به هذا الشغف إلى أن يجعل رسالته للدكتوراه "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية". ومن المحقق أنه استطاع بجانب ذلك أن يفهم الأدب اليوناني واللاتيني القديم فهمًا عميقًا، كما استطاع أن يفهم الأدب الفرنسي الحديث فهمًا دقيقًا، حتى إذا عاد إلى مصر عقب الحرب العالمية الأولى أخذ يُعْنَى في محاضراته بالجامعة بدرس تاريخ اليونان وأدبهم؛ حتى يفهم المصريون الحضارة القديمة. وأخرج كتابين هما:"صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان". و"نظام الأثينيين" لأرسططاليس. وكأنه بذلك يريد أن نعتمد في نهضتنا الأدبية على الأصول اليونانية التي اعتمد عليها الأوربيون في تكوين نهضتهم الأدبية، وإليه وإلى أستاذه لطفي السيد مترجم أرسططاليس يرجع اهتمامنا بالحضارة اليونانية القديمة. ونقل فيما بعد طائفة من تمثيليات سوفوكليس باسم "من الأدب التمثيلي اليوناني".
ويُصدر حزب الأحرار الدستوريين صحيفة السياسة، ويصبح محررها الأدبي، وهنا نراه يعدِّل في اتجاهه؛ إذ ينشر يوم الأحد قصة ملخصة من الأدب الفرنسي، وفي يوم الأربعاء ينشر بحثًا في الشعر العربي. وأكبر