كما يظهر في كثير منها نوع من العطف على شخوصه، مع الاعتدال في التصوير، فالخيال لا يجمح به. وقد يسوق لك عقدة نفسية، أو صراعًا نفسيًّا باطنًا؛ ليصور لك جوانب الضعف في الإنسان. وهو في كل ذلك يتخذ أسلوبًا بسيطًا لا مبالغة فيه ولا إغراق؛ وإنما فيه الصدق وتمثيل الواقع في بساطة.
ولم يقف بأقاصيصه عند غايات محلية، فقد جعلها تتسع لنزعات إنسانية عامة؛ كنزعة الخير أو نزعة الكمال أو نزعة الإحساس بالجمال في الطبيعة أو في الموسيقى والأشياء. والحق أنه بلغ في ذلك كله مرتبة رفيعة، ويكفي أنه مؤسس فن الأقصوصة في الأدب العربي الحديث، حقًّا سبقه إليها أستاذه وأخوه محمد؛ ولكنه هو الذي نَمَّاها ووسَّع طاقتها، وجعلها شبيهة بما ينتجه أدباء الغرب في هذا المضمار، مما كان سببًا في أن تُتَرجم كثير من أقاصيصه إلى الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية والروسية، فهو أستاذ الأقصوصة في عصرنا غير منازَع، وهو فيها لا يقف عند مذهب غربي معين. يؤثر المذهب الواقعي، وقد يعدل عنه إلى بعض صور خيالية أو بعض صور تأثيرية؛ إذ نراه يقدم الحادثة ويتركها بدون شرح؛ لنتأثر بها على النحو الذي نريده. ومن بديع مجموعاته التي تصور كل ما قدمنا:"مكتوب على الجبين" و"كل عام وأنتم بخير" و"إحسان لله" و"شفاه غليظة" و"شباب وغانيات". ومن خير أقاصيصه الطويلة "ثائرون"، وهو يصور فيها ما كان يحتدم في قلوب شبابنا من ثورة على أوضاع العهد البائد الفاسد، وقد كتبها في صورة مذكرات على لسان طالب جامعي.
ولم يقف محمود تيمور عند محاولة الأقصوصة القصيرة، فقد حاول أيضًا القصة الطويلة وأخرج فيها:"نداء المجهول" و"كليوباترا في خان الخليلي" و"سلوى في مهب الريح". وهو ينزع في القصة الأولى منزع توفيق الحكيم الذي يسعى إلى تصوير الروح الشرقية، وهي قصة تشبه قصص الحب العذري القديمة، وحوادثها تجري في لبنان. ونحس فيها النزعة الخيالية واضحة، وفي الوقت نفسه يحلل الكاتب البيئة والشخصيات وعواطفهم تحليلًا واقعيًّا،