العباسيين الذين كانوا يلمون بالثقافات الأجنبية المعروفة لعصورهم، وإن كان من المحقق أنه لم يتأثر في شعره تأثرًا واضحًا بما ألم به من ثقافات غير الثقافة العربية؛ ولكنها -على كل حال- تضيف إلى شخصيته شيئًا جديدًا لا نراه عند معاصريه من الشعراء المصريين.
وليس هذا كل ما يُكوِّن شخصيته الأدبية، فهناك عنصر خطير كان له أعمق الأثر في تكوينه، وهو عنصر البيئة المصرية التي اضطرب في مشاهدها الطبيعية وأحداثها القومية والسياسية، وأثرت هذه البيئة في روحه وكيانه الأدبي؛ بل لقد استبدت به استبدادًا؛ حتى غدا في القرن الماضي شاعر مصر الذي لا يبارَى في تصوير الحياة المصرية من جميع أطرافها المكانية والزمانية.
وإذا أخذنا ننعم النظر في شعره -على ضوء هذه العناصر التي ألفت شخصيته- لاحظنا قوة العنصر العربي المكتسب، وهو عنصر لم يكتسبه بطريق التعلم على أساتذة اللغة والأدب في عصره؛ وإنما اكتسبه بطريق مباشرة؛ هي قراءة النماذج القديمة للعباسيين ومن سبقوهم من الإسلاميين والجاهليين، وما زال يقرأ فيها حتى استقرت في نفسه سليقة الشعر العربي الأصيلة، فصدر عنها في نظمه وشعره.
يقول الشيخ حسين المرصفي عنه في كتابه "الوسيلة الأدبية": "هذا الأمير الجليل ذو الشرف الأصيل والطبع البالغ نقاؤه والذهن المتناهي ذكاؤه لم يقرأ كتابًا في فن من فنون العربية، غير أنه لما بلغ سن التعقل وجد من طبعه ميلًا إلى قراءة الشعر وعمله، فكان يستمع بعض مَن له دراية وهو يقرأ بعض الدواوين، أو يقرأ بحضرته، حتى تصور في برهة يسيرة هيآت التراكيب العربية ومواقع المرفوعات منها والمنصوبات والمخفوضات حسب ما تقتضيه المعاني ... ثم استقل بقراءة دواوين الشعر ومشاهير الشعراء من العرب وغيرهم؛ حتى حفظ الكثير منها دون كلفة، واستثبت جميع معانيها ناقدًا شريفها من خسيسها، واقفًا على صوابها وخطئها، مدركًا ما ينبغي وفق مقام الكلام وما لا ينبغي، ثم جاء من صنعة الشعر باللائق بالأمراء".
ومعنى ذلك أنه لم يستنَّ سنة معاصريه من تعلم النحو والعروض والبديع حتى