للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصر أنتم ونحن لا إذا قا ... مت بتفريقنا دواعي الشقاء

مصر ملك لنا إذا ما تماسكـ ... ـنا وإلا فمصر للغُرَباء

وقد تغنَّى في سنة ١٩٠٩ غناء خالدًا بعظمة مصر وأمجادها في قصيدته المشهورة التي جعلها على لسان فرعون مصر، والتي يستهلها بقوله:

لا القوم قومي ولا الأعوان أعواني ... إذا وَنَى يوم تحصيل العُلا واني

وهي تدور على كل لسان، وفيها يُلهب فرعون مشاعر الشباب ويذكي حماستهم بما ينفخ في روحهم من حمية ويستشير من عزيمة؛ لطلب العلا، تأسيًا بسيرة الأجداد، وما شادوا من مفاخر وأمجاد.

وأشرنا -فيما أسلفنا- إلى أن صبري يُعد في بعض جوانبه امتدادًا لابن الفارض، الشاعر المصري المصري الصوفي الذي عاش يتغنَّى بالمحبة الإلهية وما يطوي فيها من ابتهال وعبادة. وحقًّا أن صبري لم يكن صوفيًّا على نحو ما كان ابن الفارض، فلم يكن يعشق الذات الإلهية عشقه، ولا كان يفنى فيها فناءه، ومع ذلك فهو متأثر به تأثرًا إن بدا ضيئلًا من الناحية الصوفية الخالصة فإنه قوي من الناحية الدينية والعقيدة الإلهية قوة يعبر فيها لا عن صلته بابن الفارض فحسب؛ بل أيضًا عن صلته بنفسية شعبه، هذا الشعب الذي يرسب الإيمان في أعماقه منذ أقدم أزمانه. فنحن نراه دائمًا يخلص وجهه لربه ودينه، مبتهلًا داعيًا، طالبًا لما عنده، مؤثرًا له على دنياه الزائلة، منيبًا إلى عفوه ورحمته. ويتردد هذا الشعور الديني ويفوح أريجه عنده في شكل دعاء حينًا ومناجاة حينًا آخر على هذه الشاكلة:

يا رب أين تُرى تقام جهنم ... للظالمين غدًا وللأشرار

لم يُبق عفوُك في السموات العلا ... والأرض شبرًا خاليًا للنار

يا رب أهلني لفضلك واكفني ... شطط العقول وفتنة الأفكار

ومر الوجود يشف عنك لكي أرى ... غضب اللطيف ورحمة الجبار

ويتصل بهذا الجانب عنده استسلام عميق للقضاء، وما تأتي به الأقدار،

<<  <   >  >>