ومن تمام هذه الروح المصرية في شعر صبري أننا نجد عنده الدعابة الخفيفة والتهكم الساخر اللذين عُرف بهما المصريون على طوال عصورهم في تنكيتهم وتبكيتهم، في أدبهم العامي وأدبهم العربي الفصيح جميعًا؛ إذ تتأصل الفكاهة الحلوة والسخرية المرة في نفوسهم؛ حتى ليصبحان جوهرًا ثابتًا في أمزجتهم وطباعهم، وهو جوهر يتألق في شعر صبري، فتارة يكون دعابة بسيطة، وتارة يكون نقدًا ساخرًا وهجاء لاذعًا على نحو ما نرى في الأبيات التالية التي نظمها في مصطفى فهمي حين سقطت وزارته في سنة ١٩٠٨ مصورًا مدى ولائه للإنجليز، وكيف كان يصدر في حكمه عن مشيئتهم، يقول مخاطبًا له:
عجبتُ لهم قالوا سقطت ومن يكن ... مكانك يأمن من سقوط ويسلم
فأنت امرؤ ألصقت نفسك بالثرى ... وحرمت خوف الذل ما لم يحرَّم
فلو أسقطوا من حيث أنت زجاجة ... على الصخر لم تُصْدَع ولم تتحطم
وقد وقف مع أمته في حادثة دنشواي يصور فظائع الإنجليز وما ساموا أهل هذه القرية من الخسف والقتل وعذاب السجون، يقول:
إنْ أنَّ فيها بائس مما به ... أو رن جاوَبه هناك مطوَّقُ