ويراسل الشيخ محمد عبده معلنًا تبرمه وسخطه. وتقوم ثورة في الجيش فيشترك فيها ويُحاكَم، ويُحكم عليه في سنة ١٩٠٠ بإحالته إلى الاستيداع، ولا يلبث أن يطلب إحالته إلى المعاش.
وحافظ في كل هذه الأطوار التي مرت بنا في حياته قلق ضيق بعيشه؛ فقد نشأ يتيمًا في أسرة متوسطة، ولم يلبث أن اضطر إلى كسب قوته بنفسه، وحاول أن ينظِّم حياته فدخل المدرسة الحربية وتخرج فيها؛ ولكن سوء الطالع لازمه، فأحيل إلى الاستيداع والمعاش.
وكانت شاعريته قد استوت له، وكان ذا نفس حساسة مرهفة الشعور، فأحس بعمق بؤسه، وحاول أن يشتغل في صحيفة الأهرام؛ ولكنها أغلقت أبوابها من دونه، فاتجه إلى الشيخ محمد عبده، ولزمه حتى ليقول:"فلقد كنت ألصق الناس بالإمام، أغشى داره، وأرِدُ أنهاره، وألتقط ثماره". وقد تعرَّف عن طريقه على الطبقة الممتازة من المصريين أمثال: سعد زغلول وقاسم أمين وحسن عاصم ومصطفى كامل ولطفي السيد ومحمود سليمان، وهي الطبقة التي كانت تفكر في الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي، والتي لا تزال آثارها فاعلة في حياتنا المصرية.
وبذلك هيأ له اتصاله بالشيخ محمد عبده أن يعيش في البيئة الطامحة إلى الإصلاح، وكان في الوقت نفسه يعيش في بيئة الشعب الفقيرة التي نشأ فيها ويختلط بها بحكم بؤسه. وكانت قد نشأت فيها طائفة من الأدباء البائسين أمثال إمام العبد، وكانوا يجلسون في مقاهي الأحياء الوطنية، وينتقلون فيها بأدبهم، وهي طبقة أوجدتها ظروف الحياة الحديثة، فقد كان الشعراء والأدباء في القديم يرعاهم الملوك والخلفاء والأمراء، وبطلت هذه السنة في العصر الحديث، واضطر الأدباء والشعراء إلى أن يعتمدوا على أنفسهم في كسب أرزاقهم وسد حاجاتهم، وسرعان ما تكونت بينهم هذه الطبقة البائسة التي أخذ يتنازع إمامتها في أول القرن إمام العبد وحافظ إبراهيم.
واضطر حافظ أن ينقطع إلى الطبقة الممتازة التي أشرنا إليها، وكان خفيف