وإذا أعوزتكم ذات طوق ... بين تلك الرُّبَى فصيدوا العبادا
إنما نحن والحمام سواء ... لم تغادر أطواقنا الأجيادا
ويمضي في القصيدة فيصور ظلم الإنجليز وبغيهم وسخط الأمة المصرية عليهم سخطًا شديدًا. ويلاحَظُ عليه في هذه القصيدة وغيرها من شعره السياسي ضرب من الحذر والاحتياط، فهو لا يثور على الإنجليز ثورة عنيفة، بل يشفع الثورة عليهم بضرب من اللباقة والحيلة، حتى يتقي غياهب سجونهم. وفي رأينا أن هذا الاحتياط جاءه من الطبقة المثقفة الممتازة التي كان يعيش في كنفها؛ إذ كانت تصطنع مع الإنجليز الحذر والتقية.
وإن من الظلم أن نقيس حافظًا في شعره الوطني بما نُشر منه، فقد مر بنا أن كثيرًا من هذا الشعر لم يُنشر، وأنه كان يكتفي بإنشاده في النوادي والمجالس. وقد أنشأ بعد إحالته إلى المعاش قصيدة ثائرة تربو على مائة وخمسين بيتًا، وليس في ديوانه منها سوى أبيات معدودة. وحسبه قلادته الرائعة التي أنشدها على لسان مصر، والتي تُغَنَّى في عصرنا وتدور على كل لسان، وهي تلك التي يفتتحها بقوله:
وقف الخلق ينظرون جميعًا ... كيف أبني قواعد المجد وحدي
وفيها رسَم مصرَ تحوطها هالة من أمجادها الفرعونية، وما زال يعرض هذه الأمجاد في الفن والتشريع والسياسة، ثم عرض لغزاتها وكيف أن راميًا لم يرمها بسهم إلا رُد في نحره. وتحول الى الاستعمار البغيض، وصور كفاحنا وصراعنا له، وكيف نبني مصرنا الحديثة بناء شامخًا.