للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه النزعة الوطنية يقترن بها في شعره نزعتان: عربية وإسلامية، وتبدو الأولى في كثير من قصائده، وخاصة في قصيدته التي تكلم فيها بلسان اللغة العربية، وقد نشرها في أول القرن حين كانت تهب عاصفة العامية ضد العربية، وهي من غُرَرِ قصائده، ومطلعها:

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ... وناديت قومي فاحتسبت حياتي١

وأما النزعة الإسلامية فتبدو في قصيدته العمرية التي قصرها على عمر بن الخطاب وأعماله، كما تبدو في شعر كثير له نظمه في الخلافة العثمانية؛ إذ كان المسلمون يتجهون إليها في أول القرن كما يتجهون إلى مكة، فهذه قلب الإسلام الخافق وتلك سنده الذي يذود عنه بالسلاح.

وكل هذا كان في سبيل الغاية الجديدة من التغني بأهواء الجماهير. ونشأ عن ذلك أن أصبح شعرنا في كثير من جوانبه -وعلى الأخص عند هؤلاء الرواد- شعرًا صحفيًّا يصور أحداثنا السياسية. وانطلق الشعراء به يصورون الأحداث العالمية، فإذا انتصرت اليابان تغنَّى حافظ بالشرق وأمجاده، وإذا حدث بركان أو زلزال في صقع من الأصقاع ذهب يصور بؤس المنكوبين فيه، وكأنه يصور بؤسه وبؤس المصريين. وأخذ هو وغيره من الشعراء يصفون المخترعات، كأنهم يرون في ذلك مجاراة لروح العصر، وله شعر مختلف في القطار والطيارة والباخرة.

وليس من شك في أن حافظًا كان بذلك مجددًا في شعره بالمقدار الذي يستطيعه؛ وهو تجديد يستجيب فيه لبيئته وعصره، أما الآداب الأجنبية فلم تسعفه معرفته لها بغذاء عقلي جديد. وقد نظم في موضوعات قديمة كالإخوانيات والخمريات والغزل، وهو فيها مقلد، وإن كان له جمال السبك والصياغة أحيانًا. وربما كان خير موضوع قديم أجاد فيه فن الرثاء، ومرجع ذلك إلى أنه كان يتفق وطبعه الحزين ونفسه القلقة الشاكية، وأيضًا فإنه كان


١ الحصاة: العقل والرأي، احتسب حياته: عدها عند الله فيما يدخر.

<<  <   >  >>