للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا مديح الخديو توفيق في المواسم والأعياد. فدفع تلميذه في هذا الاتجاه.

وتخرج شوقي في قسم الترجمة سنة ١٨٨٧، فعينه توفيق بالقصر، ثم أرسله في بعثة إلى فرنسا ليدرس الحقوق، فانتظم في مدرسة بمبونبلييه لمدة عامين، ثم انتقل إلى باريس، وظل بها عامين آخرين، حصل فيهما على إجازته النهائية. وهُيئت له فرص مختلفة ليذرع فرنسا طولًا وعرضًا، وليزور لندن وبلاد الإنجليز. وكان طوال إقامته في باريس يشاهد مسارحها ويتصل بحياتها الأدبية، وأقبل على قراءة فيكتور هيجو ودي موسيه ولافونتين ولامرتين، وترجم للأخير قصيدة البحيرة شعرًا.

وعاد شوقي إلى مصر، فعمل رئيسًا للقسم الإفرنجي بالقصر، وسرعان ما أصبح شاعر عباس، بل سرعان ما أصبحت له حظوة كبيرة عنده، فقد جعل له تدبير كثير من الأمور وتصريفها، وأصبح مقصد طلاب الجاه والرتب والألقاب. وأمضى في هذا العمل الرتيب عشرين عامًا هي زهرة حياته. ومن محاسن الصدف أنه تزوج من سيدة ثرية كانت مثالًا للزوجة الصالحة، وقد رزق منها بابنيه علي وحسين وابنته أمينة.

وكان أهم ما يعجب عباسًا فيه مدائحه له في أعياد حكمه لمصر وفي كل مناسبة كبيرة تمر به. وأخذ شوقي يدور معه في كل أهوائه السياسية، فتارة يمدح له الخليفة العثماني الذي كان يبتغي رضاه، وتارة يلوم الإنجليز ويندد بهم حين يغاضبهم وينازعهم بعض السلطان. ولم يكن شوقي حينئذ يختلط بالشعب؛ لذلك تفوق عليه حافظ في ميدان الوطنية وما يتصل بها من عواطف الجمهور السياسية؛ إذ كان ابن الشعب وكان يحس آلامه في عمق وقوة.

ومن المحقق أن شوقي لم تكفل له حريته في هذه الحقبة؛ إذ كان مشدودًا بحكم وظيفته إلى القصر وصاحبه، ولكنه مع ذلك حاول أن يفرغ لنفسه ولفنه، فنظم على ألسنة الحيوان شعرًا على نسق ما قرأه في الفرنسية للشاعر لافونتين. وحاول محاولة أروع من تلك المحاولة؛ إذ قرأ عند بعض الشعراء الفرنسيين شعرًا تاريخيًّا رائعًا من مثل "أساطير القرون" لفيكتور هيجو، فرأى أن ينظم على هذا المثال قصيدته الطويلة "كبار الحوادث في وادي النيل"، وألقاها في مؤتمر

<<  <   >  >>