للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستشرقين الذي انعقد في سنة ١٨٩٤. واستمر طويلًا في هذا الاتجاه، فنظم فرعونياته المشهورة في أبي الهول والنيل وتوت عنخ آمون وقصر أنس الوجود.

ومدَّ شعره إلى ينابيع الإسلام، فاستقى منها قصائد رائعة في مديح الرسول، من مثل الميمية التي عارض فيها بردة البوصيري، كما استقى في شعره أحيانًا من ينابيع العروبة. وكل ذلك معناه أنه كان يريد الانطلاق من قيود القصر وصاحبه والتحليق في آفاق أوسع وأرحب.

وأُعلنت الحرب العالمية الأولى وكان عباس غائبًا بتركيا، فمنعه الإنجليز من دخول مصر، وأقاموا عليها السلطان حسين كامل، وأخذوا يُبعدون عن القصر من يستشعرون الولاء لعباس، ولم يسكت شوقي؛ بل نظم قصيدة تحدث فيها عن الحماية التي أعلنتها إنجلترا على مصر، وقال فيها: "إن الرواية لم تتم فصولًا". فنفاه الإنجليز إلى إسبانيا، وظل بها طوال الحرب هو وأسرته، وهناك أخذ ينظم قصائده في أمجاد العرب ودولتهم الزاهرة التي اندثرت في الأندلس، ويضمنها حنينًا شديدًا إلى وطنه.

ورجع إلى مصر، فوجد أرضها تخضبها دماء شبابنا في ثورتنا الوطنية الأولى، ولم تلبث حريتنا أن رُدت إلينا، كما ردت حرية شوقي إليه. ومن هنا تبدأ الدورة الثانية في حياته الأدبية، فإنه لم يعد يفكر في القصر ولا في وظيفته فيه، فقد أصبح حرًّا طليقًا، وهيأ له ثراؤه أن ينعم إلى أقصى حد بهذه الحرية، فخلص لفنه ولشعبه وأخذ يغنيه أغاني وطنية رائعة. ولم يكن يبدأ هذه الأغاني حتى بذ حافظًا الذي كان يتفوق عليه في هذا المجال قبل الحرب وقبل توظفه في دار الكتب المصرية. ومرجع ذلك أن فنه كان أروع من فن حافظ، فلما اتجه به إلى تصوير عواطفنا الوطنية وحياتنا السياسية بلغ من ذلك الغاية التي لا تمتد إليها الأعناق.

ولم يُغنِّ مواطنيه وحدهم أهواءهم وعواطفهم السياسية؛ بل أخذ يغني الشعوب العربية أهواءها وعواطفها القومية، وله في ثورات سوريا على الفرنسيين

<<  <   >  >>